ذكر ذلك ابن مالك ، وخالفه أبو حيان ، وخرّج البيتين على أن التقدير : بحاجة خائبة ، وبشخص مزؤود أي : مذعور ، ويريد بالمزؤود نفسه ، على حد قولهم : «رأيت منه أسدا». وهذا التّخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني ، لأن صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها ؛
______________________________________________________
له أفعل ، لأنه اسم كما يجيء أفعل في الأسماء ليس معه فعلاء نحو أحمد ، ومعنى داهمة آتية على بغتة وانبعثت أسرعت ، والمزؤد المذعور الخائف والوكل بفتح الواو والكاف العاجز الذي يكل أمره إلى غيره ، (ذكر ذلك ابن مالك ، وخالفه أبو حيان ، وخرج البيتين على أن التقدير) فما رجعت (بحاجة خائبة) فالباء للإلصاق أو للمصاحبة ، لكن هذا فيه حذف الموصوف من غير دليل ، وقد يخرج على جعل رجع من أخوات كان ، فالباء زائدة في الخبر على حد لم أكن بأعجلهم ، (وبشخص مزؤد أي : مذعور ويريد بالمزؤد نفسه على حد قولهم : رأيت به أسدا) فيكون من التجريد ، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه ، والباء حينئذ للملابسة والمصاحبة كما في قوله :
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى |
|
بمستلئم مثل الفنيق المرحل (١) |
أي فرس قبيح لسعة أشداقه كذا في شرح «التلخيص» للتفتازاني ، وقال ابن السبكي : الشوهاء صفة محمودة في الفرس ، ويقال : يراد بها سعة أشداقها وتعدو تسرع ، وصارخ الوغى المستغيث في الحرب ، والفنيق الفحل الذي لا يؤذي ولا يركب لكرامته على أهله ، والمرحل المرسل السائر ، أي : تعدو بي هذه الفرس ومعي من نفسي مستعد للحرب بالغ في استعداده للحرب حتى انتزع منه آخر مستعدا لها ، (وهذا التخريج) الذي ذكره أبو حيان (ظاهر في البيت الأول) وقد عرفت ما عليه من حيث إن حذف الموصوف مشروط بأن يعلم جنسه ، ولا دليل عليه في البيت مع أن المصنف استظهر التخريج على ذلك فيه (دون الثاني ؛ لأن صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها) وينبغي أن لا يتعلق الجار من قوله على سبيل المبالغة بنفيت ؛ لأنه ليس المراد أن نفيها مبالغ فيه ، وإنما يتعلق بمحذوف هو حال من ضمير نفيت العائد على الصفات ، وهذا الحكم ليس مخصوصا بصفات الذم بل هو جار في كل مقيد بقيد إذا دخل عليه النافي ، مثل ما جئت راكبا فيرجع النفي إلى القيد فقط ، ويثبت أصل الفعل فيكون المعنى في المثال المذكور جئت غير راكب ، وقد ذكر في قوله تعالى : (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٤٩٩ ، بلفظ (المدجّل) وشرح عمدة الحافظ ص ٥٨٩ ، وبلا نسبة في المقاصد النحوية ٤ / ١٩٥.