ونحو : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) [المؤمنون : ٧٠] ، وإما الانتقال من غرض إلى آخر. ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه ، ومثاله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ١٤ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ١٥ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) [الأعلى : ١٤ ـ ١٦] ، ونحو : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٦٢ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) [المؤمنون : ٦٢ ـ ٦٣] ، وهي في ذلك كله حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح ، ومن دخولها على الجملة قوله [من الرجز] :
١٦٦ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه |
|
[لا يشترى كتّانه وجهرمه] |
______________________________________________________
محذوف ، فالواقع في التحقيق بعدها جملة اسمية (نحو (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) [المؤمنون : ٧٠]) فوقع بعدها جملة فعلية ومعنى الإبطال في الآيتين ظاهر.
(وإما الانتقال من غرض إلى آخر) مع عدم إرادة إبطال الكلام الأول المنتقل عنه ، (ووهم ابن مالك إذ زعم في «شرح كافيته» أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه) ومحمل كلامه هذا على أنها لا تقع بيقين في القرآن إلا للتنبيه على انتهاء أمر واستئناف غيره ، فلا يتم توجيهه بتينك الآيتين الشريفتين ، إذ ليس الإضراب على وجه الإبطال متعينا في شيء منهما ؛ لاحتمال أن يكون الإضراب فيهما عن القول ، لا عن المقول المحكي ، ولا شك أن الإخبار بصدور ذلك منهم ثابت لا يتطرق إليه الإبطال بوجه ، فيكون الإضراب فيهما لمجرد الانتقال من أمر إلى استئناف أمر آخر ، (ومثاله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ١٤ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ١٥ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦) [الأعلى : ١٤ ـ ١٦] ونحوه : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٦٢ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) [المؤمنون : ٦٢ ـ ٦٣]) (مِنْ هذا) فالإضراب فيها لمجرد الانتقال من غير إبطال ، (وهي) أي بل (في ذلك كله) حيث تليها جملة وتكون هي للإبطال ، أو لمجرد الانتقال (حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح) وظاهر كلام ابن مالك أنها عاطفة ، وصرح به ولده بدر الدين في شرح الألفية ، وكذا صاحب «رصف المباني» فيما نقله ابن قاسم (ومن دخولها على الجملة قوله :
بل بلد ملء الفجاج قتمه) (١)
الفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين كذا في «الصحاح» ، وأما قتمه فيحتمل أن يكون بفتح القاف والتاء كما في قول الحماسي :
__________________
(١) صدر بيت من الرجز ، عجزه : لا يشترك كتانه وجهرمه ، وهو لرؤبة في ديوانه ص ١٥٠ ، والدرر ١ / ١١٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٢٢٥.