أما الأول فلدعوى حذف الجملة ، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال : إنه أسهل منه ؛ لأن المتجوّز فيه على قولهم أقلّ لفظا ، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شيء في شيء ، أي في أصالة الهمزة في التصدير ، وأما الثاني فلأنه غير ممكن في نحو (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣]
______________________________________________________
(أما الأول) وهو التكلف (فلدعوى حذف الجملة) وفيه نظر لأن هذه الجملة معطوف عليها ، وحذف المعطوف عليه لقرينة جائز جملة كان أو غير جملة ، ولا تكلف فيه وقد يجاب بأن التكلف إنما جاء من قبل خصوصية واقعة قبل حذف المعطوف عليه ، وذلك لأن مثل هذا التركيب في القرآن واقع وغيره كثيرا ، ولم يصرح في شيء من صوره بهذا المحذوف فادعاء حذفه والحالة هذه تكلف.
قال ابن مالك : المدعي لحذف شيء يصح المعنى بدونه لا تصح دعواه حتى يكون موضع ادعاء الحذف صالحا للثبوت ، ويكون الثبوت مع ذلك أكثر من الحذف ، وما نحن بصدده يخالف ذلك فمن ثم جاء التكلف ، (فإن قوبل) هذا الوجه (بتقديم بعض المعطوف) الذي ارتكبه الجمهور حيث جعلوا الهمزة من جملة أجزاء المعطوف ، ولكنها قدمت على العاطف ، ولا شك أن هذا التقديم على خلاف الأصل ، كما أن الحذف كذلك (فقد يقال : إنه) أي : تقديم الهمزة (أسهل) من حذف الجملة (لأن المتجوز فيه على قولهم) أي : قول الجمهور (أقل لفظا) من المتجوز فيه على قول الحاذفين ، لأن هذا مفرد وذاك جملة ، وقد يعارض بأن هذا المفرد حرف والتجوز في الحروف قليل (مع أن في هذا التجوز) بتقديم الهمزة على مركزها الأصلي (تنبيها على أصالة شيء في شيء أي أصالة الهمزة في التصدير) والترجيح بهذا الوجه غير قوي فتأمله.
(وأما الثاني) وهو عدم الاطراد (فلأنه غير ممكن في نحو) قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] ولذا قال ابن قاسم في «الجنى الداني» : وفيه نظر أما أولا فلا نسلم عدم الإمكان فيه إذ يجوز أن يجعل من مبتدأ خبره محذوف وهو لم يوحدوه ، وتجعل هذه الجملة معطوفة على جملة محذوفة تناسب المقام ، والتقدير : أهم ضالون فمن هو قائم على كل نفس بما كسبت لم يوحدوه ، والهمزة للإنكار التوبيخي.
وأما ثانيا فلأنه على تقدير عدم إمكانه فقد يقال : بأن ما تقوله الجماعة غير ممكن أيضا في قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) [البقرة : ١٠٠] إذ لا مجال لعطفه على ما تقدم عليه ، وهو قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ ٩٩) [البقرة : ٩٩] فيتعين المصير إلى جعل الهمزة داخلة على معطوف عليه محذوف ، تقديره : أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا عهدا نبذه ، أي نقضه ورفضه ، وإنما قال فريق منهم لأن منهم من لم