هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وخالفهم جماعة أوّلهم الزّمخشري ، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلّها الأصليّ ، وأنّ العطف على جملة مقدّرة بينها وبين العاطف ، فيقولون : التّقدير في (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) [يوسف : ١٠٩ وغيرها] ، (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزخرف : ٥] (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) [آل عمران : ١٤٤] (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨) [الصافات : ٥٨] : أمكثوا فلم يسيروا في الأرض ، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا ، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم ، أنحن مخلّدون فما نحن بميّتين ، ويضعف قولهم ما فيه من التكلّف ، وأنّه غير مطّرد في جميع المواضع.
______________________________________________________
لغرض التنبيه على تمام التصدير ، مؤخرة عنه حكما هو (مذهب سيبويه والجمهور ، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري) ولو قال : منهم لكان حسنا فقد نقل عمن سبق الزمخشري أنه قال بذلك ، (فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الأصلي) ولا تقديم ولا تأخير (وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف ، فيقولون : التقدير في (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) [يوسف : ١٠٩] (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزخرف : ٥] (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) [آل عمران : ١٤٤] (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨) أمكثوا فلم يسيروا) وهذا هو التقدير في الآية الأولى (أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا) وهذا هو التقدير في الآية الثانية.
(أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم) وهذا هو التقدير في الآية الثالثة.
(أنحن مخلدون فما نحن بميتين) وهذا هو التقدير في الآية الرابعة ، والعطف في هذه وفي الآية الأولى والثانية تفسيري ، وأما في الآية الثالثة فعلى الأصل ، وقد ساق المصنف التقدير على طريق اللف والنشر المرتب ، وكان ينبغي أن يقول التقدير : في كذا وكذا فيأتي بحرف العطف في الموضعين ، وليس حذف العاطف من مثل هذا بمقيس حتى يرتكبه ، فإن قلت وكذا فعل في قوله فيما سبق نحو أفلم ينظروا ، أفلم يسيروا ، أثم إذا ما وقع فهلا أوردت ذلك عليه هناك ، قلت : الفرق واضح ، وذلك أن نحو : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ، أي تقديم الهمزة على العاطف نحو كذا ، نحو كذا ، فهي أخبار متعددة كل منها خبر مستقل ، نحو زيد قائم وقاعد فيجوز العطف وتركه قياسا ، وغايته أنه حذف هناك مضاف من بعض الأمثلة لدلالة ما تقدم عليه ، أي نحو : أفلم يسيروا أثم إذا ما وقع.
(ويضعف قولهم) شيئان :
أحدهما : (ما فيه من التكليف.
و) الثاني (أنه غير مطرد) في جميع المواضع.