١٢] ، (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) [ق : ١٥] ، ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفي ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيّا ، لأن النّفي إثبات ، ومنه : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] ، أي الله كاف عبده ؛ ولهذا عطف مدخول الواو من (وَوَضَعْنا) [الشرح : ٢] على (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) [الشرح : ١] لما كان معناه شرحنا ؛ ومثله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَوَضَعْنا أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) [الضحى : ٦ ـ ٧] ، (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) [الفيل : ٢ ـ ٣] ، ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك [من الوافر] :
______________________________________________________
حتى جعله ميتا كذا في «المدارك» وقال ابن الحاجب في الأمالي : إنه تعالى لما نهى عن الغيبة شبهها بما هو مكروه من معتادهم وهو أكل لحم المغتاب ميتا ، وأتى به على صيغة الإنكار تنبيها على أنه مما لا يفعلونه ، ثم كان ذلك التشبيه سببا لذكر تحقق الكراهة ، فقال بعد ذلك فكرهتموه ، فكان ذكر تحقق الكراهة لما نهي عنه وثبوتها مسببا عن هذا التشبيه الذي قصد به تأكيد كراهة ما نهي عنه ، إذ به يتحقق توبيخهم في وقوعهم في الغيبة المشبهة بما يأتونه ويكرهونه.
ونحو (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) [ق : ١٥] أي لم نعي ولم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز عن الثاني ، يقال : عني بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله.
(ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفي ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا لأن نفي النفي إثبات) ضرورة أنه لا واسطة بين النفي والإثبات ، فإذا انتفى أحدهما لزم تحقق الآخر وثبوته.
(ومنه (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦]) فأفادت الهمزة المذكورة نفي عدم كفاية عبده فلزم بالضرورة إثبات كفايته إياه (أي : الله كاف عبده ، ولهذا عطف) مدخول الواو من (ووضعنا على (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) [الإنشراح : ١] لما كان معناه شرحنا) فيه نظر من جهة أنه جعل العلة في عطف وضعنا على ألم نشرح كونه في معنى شرحنا ، أو ذلك يقتضي أن النفي لو لم يكن مؤولا بالإثبات لم يصح العطف ، وليس كذلك إذ لا نزاع في صحة العطف في نحو لم يجيء زيد وأكرمته ، ويمكن أن يجاب عنه بأن معناه ولهذا أي لكونه خبرا باعتبار أنه للإنكار الإبطالي جاز عطف وضعنا عليه من حيث كونه خبرا ، لا من حيث كونه مثبتا بحسب المعنى ، (ومثله (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) [الضحى : ٦ ـ ٧] (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) [الفيل : ٢ ـ ٣]) والكلام في هذا كالأول سؤالا وجوابا (ولهذا كان قول جرير في عبد الملك) ابن مروان :