(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ١٤٩) [الصافات : ١٤٩] ، (أَفَسِحْرٌ هذا) [الطور : ١٥] ، (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) [الزخرف : ١٩] ، (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات :
______________________________________________________
هذه الآية سؤالا فقال : المنكر ما يلي الهمزة على ما تقرر ، والذي يليها الإصفاء بالبنين ، وليس هو المنكر إنما المنكر قولهم : إنه اتخذ من الملائكة إناثا ، وأجاب بأنه إما أن يقال : إن لفظ الإصفاء يشعر بزعم أن البنات لغيرهم ، وإما أن يقال : المراد مجموع الجملتين ، فينحل منهما كلام واحد ، والتقدير : أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات وتكون الواو فيه للمعية ، لأن زعمهم لمجموع الجملتين أفحش من اقتصارهم على واحدة منهما وإن كانت فاحشة ، ونحو (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) [الصافات : ١٤٩] والظاهر أن هذه الجملة المقترنة بالهمزة في محل مفعول مقيد بالجار على ما قرروه والفعل معلق ؛ لأن الاستفتاء طريق إلى العلم ، كالسؤال فجاز تعليقه كما علق فعل السؤال ، نحو : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ٤٠) [القلم : ٤٠] فإن قلت جيء في الآية الأولى وهي قوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) [الإسراء : ٤٠] بالجملة الفعلية وقدم الكلام في أمر البنين على الإناث ، وجيء في الآية الثانية بالجملة الاسمية ، وقدم الكلام في شأن البنات على البنين فما الحكمة؟
قلت : يمكن أن يقال لما خوطب في الآية الأولى الكفار قدم ما يتعلق بهم وهو دعواهم الإيثار بالذكور والاختصاص بهم ، وجيء بالماضوية إشارة إلى أن ما يدعونه من ذلك أمر قد تحقق ودخل في الوجود ، ولما خوطب النبي صلىاللهعليهوسلم في الآية الثانية بالأمر في استفتائهم فيما يدعونه في هذه القضية الشنعاء قدم في الاستفتاء أبشع الأمرين ، وأشنعهما ، وهو دعواهم اختصاص الإله الحق بالبنات جل وتعالى ، وأورد السؤال بالاسمية لتأكيد الشناعة وتقريرها حيث ادعوا في هذا الأمر الباطل أنه ثابت مستقر والله تعالى أعلم.
ونحو : (أَفَسِحْرٌ هذا) [الطور : ١٥] وهذا من قبيل ما زعموه صريحا وكذبوا نفيه ونحو (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) [الزخرف : ١٩] وهذا من قبيل ما زعموه لا بطريق الصراحة ، بل ألزموا به إلزاما وذلك بأنهم لما جزموا بكون الملائكة إناثا جزم من شاهد خلقهم كانوا كمن زعم أنه قد شهد خلقهم.
ونحو (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : ١٢] وفي هذا الكلام مبالغات.
منها الاستفهام الإنكاري ، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم إشعارا بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك ، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخا ، ومنها أنه لم يقتصر على لحم الأخ