تقول في التقرير بالفعل : «أضربت زيدا؟» وبالفاعل : «أأنت ضربت زيدا» ، وبالمفعول : «أزيدا ضربت» ، كما يجب ذلك في المستفهم عنه ، وقوله تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) [الأنبياء : ٦٢] محتمل لإرادة الاستفهام الحقيقي ، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل ، ولإرادة التقرير ، بأن يكونوا قد علموا ، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به ؛
______________________________________________________
النحاس فإنه ساق في تعليقه على المقرب قول ابن عصفور : والأحسن فيها توسط الذي لا يسأل عنه ، ويجوز تقديمه ويجوز تأخيره فقال : ولهذا الأمر جعله ابن الحاجب شرطا ، ونص فيه على أنه يجب أن يلي أحد المتعادلين الهمزة والآخر أم ، فيجب عنده أن يقول : أزيد عندك أم عمرو بتأخير عندك عن زيد ، ولا يجوز تقديمه عنده أصلا ، والمصنف ـ يعني ابن عصفور ـ ذكر جواز تقديمه فتحصلنا من هذين الكلامين على تردد في أنه شرط أولا ، انتهى. فغفل رحمهالله عن نص سيبويه على المسألة بعينها مع أن هذا الرجل ممن اشتهر بمعرفة الكتاب فطار ذكره بذلك (فتقول في التقرير بالفعل أضربت زيدا) بإيلاء الفعل المقرر به الهمزة (و) في التقرير (بالفاعل أأنت ضربت زيدا) بإيلاء فاعل الضرب الهمزة ، وهذا وإن لم يكن فاعلا صناعيا فهو فاعل معنوي (و) في التقرير (بالمفعول أزيدا ضربت) بإيلاء المفعول المقرر به الهمزة (كما يجب ذلك في المستفهم عنه) فتقول أعندك زيد أم في السوق وأزيد في الدار أم عمرو (وقوله تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا) [الأنبياء : ٦٢]) (محتمل لإرادة الاستفهام الحقيقي بأن يكونوا) أي : الكفار (لم يعلموا أنه) أي أن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام هو (الفاعل) لكسر الأصنام ، قال صاحب «التلخيص» في إيضاحه : إذ ليس في السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأنه عليه الصلاة والسّلام هو الذي كسر الأصنام ، واعترض بوجوه : أما أولا فلأن الدال لا ينحصر فيما تضمنه السياق ، ولو كانوا كفارا ولم يكن فيهم من يقدم على كسر أصنامهم.
وأما ثانيا فلقوله عليه الصلاة والسّلام بل فعله كبيرهم هذا ، فإن بل في الغالب إذا وقعت الجملة بعدها كانت إضرابا عما قبلها على وجه الإبطال له ، ولو كانت الهمزة للاستفهام المحض لما قصد إبطاله ، بل كأنهم قالوا له : أأنت فعلت فقال : لم أفعل بل فعله كبيرهم.
وأما ثالثا فبالقرائن السابقة مثل لأكيدن أصنامكم ، وقولهم : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) [الأنبياء : ٦٠] (ولإرادة التقرير بأن يكونوا قد علموا) أنه عليه الصلاة والسّلام هو الذي كسر أصنامهم ، وهذا هو الظاهر بدلالة القرائن السابقة ، وقد روي أنهم خرجوا وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ، فلما أبصروه يكسرها أقبلوا عليه يسرعون ليكفوه (ولا يكون) الاستفهام المفاد بالهمزة (استفهاما عن الفعل) وهو كسر الأصنام هل وقع أولا (ولا تقريرا به) بحيث يكون مرادهم حمل