لأن الهمزة لم تدخل عليه ، ولأنه عليه الصلاة والسّلام قد أجابهم بالفاعل بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣].
فإن قلت : ما وجه حمل الزمخشريّ الهمزة في قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٦] على التقرير؟
قلت : قد أعتذر عنه بأنّ مراده التقرير بما بعد النفي ، لا التّقرير بالنفي ،
______________________________________________________
إبراهيم صلىاللهعليهوسلم على الإقرار بأن كسر الأصنام قد كان (لأن الهمزة لم تدخل عليه) أي : على الفعل فلا يكون للاستفهام عنه ولا للتقرير به ضرورة أنها لو كانت كذلك لوجب إيلاء الفعل لها ولم يول. (ولأنه عليهالسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله : بل فعله كبيرهم هذا) يعني : أنه لو كان الاستفهام عن الفعل أو للتقرير به لكان الجواب قد وقع الكسر أو لم يقع فلما قال : فعله كبيرهم هذا دل على أن المراد التقرير بالفاعل ، وعن الكسائي أنه يقف على فعله ، والفاعل محذوف وهو يجوزه أي : فعله من فعله وكبيرهم هذا مبتدأ وخبر وهذا خروج عما يقتضيه السياق ، وكأنه ارتكبه فرارا مما يلزم من إخبار الصادق بخلاف الواقع ، إذ الكبير لم يفعل الكسر قطعا ، وجوابه كما قال الزمخشري : أنه نسب الفعل إلى كبيرهم وقصده تقريره لنفسه وإثباته لها على وجه تقريعي تبكيتا لهم وإلزاما للحجة عليهم ، لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح إلها وهذا كما يقول لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق أنيق : أأنت كتبت هذا؟ فتقول : بل كتبته أنت وقصدك بهذا الجواب تقريره لك ، مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي ، لأن إثباته للعاجز منكما والأمر دائر بينكما استهزاء به ، وإثباته للقادر ، ويمكن أن يقال : غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه ؛ لأن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه ، ويجوز أن يكون حكاية لما يعود إلى تجويزه مذهبهم كأنه قال لهم : مما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد ويدعى إلها أن يقدر على هذا (فإن قلت : ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٦] على التقرير قلت : قد اعتذر) بالبناء للمفعول (عنه) أي : عن الزمخشري (بأن مراده التقرير بما بعد النفي لا التقرير بالنفي) وقد أجاز قوم أن تكون الهمزة في قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] للإنكار الإبطالي كما تقدم وأن تكون للتقرير أي : لحمل المخاطب على الإقرار بما دخله النفي ، وهو الله كاف عبده لا بالنفي وهو ليس الله ، وكذا قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) [الشرح : ١](أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) [الضحى : ٦] وما أشبه ذلك فقد يقال : إن الهمزة فيه للإنكار وقد يقال : إنها للتقرير وكلاهما حسن ، فعلم أن التقرير لا يجب أن يكون بالحكم الذي دخلت عليه الهمزة ، بل بما يعرفه المخاطب من