والثامن : الاستبطاء ، نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحديد : ١٦].
وذكر بعضهم معاني أخر لا صحّة لها.
______________________________________________________
(الثامن : الاستبطاء نحو (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [الحديد : ١٦]) وقد يقال : الاستبطاء لحضور خشوعهم لا لعدمه ، يقال : أنى يأنى أنياه إذا حضر ، ويجاب بأن الاستبطاء وإن كان متعلقا بالحضور لكنه عدل عن الاستفهام عن الإثبات إلى الاستفهام عن النفي ، إشعارا بأن الراجح من الطرفين هو عدم الحضور ، فعلق به الاستفهام وفيه من المبالغة ما لا يخفى ، وقد ظهر الجواب عما تقدم في التعجيب.
هذا وقد حاول بعض الفضلاء المتأخرين بيان وجه التجوز في بعض الأمور المتقدمة ، فقال : في استعمال الهمزة للإنكار إنكار الشيء بمعنى كراهته والنفرة عن وقوعه في أحد الأزمنة ، وادعاء أنه مما لا ينبغي أن يقع فيه يستلزم عدم توجه الذهن إليه ، المستدعي للجهل به المفضي إلى الاستفهام عنه ، أو تقول : الاستفهام عنه يستلزم الجهل به المستلزم لعدم توجه الذهن إليه ، المناسب لكراهته والنفرة عنه ، وادعاء أنه مما لا ينبغي أن يكون واقعا ، وقس على هذا حال الإنكار بمعنى التكذيب ، وقال في استعمال الهمزة للتقرير : الاستفهام عن المعلوم للمخاطب يستلزم حمله على الإقرار بما هو معلوم منه ، وقال في استعمالها للتهكم : الاستفهام عن كون صلواته آمرة لذلك يناسب ادعاء أن المخاطب معتقد له ، وادعاء اعتقاده إياه يناسب الاستهزاء والتهكم ، وبالجملة استعلام هذه الحال منه يناسب التهكم به والتحقير والتهويل والاستبعاد ، ومناسبة هذه الأمور للاستفهام واضحة ، فإن الاستفهام عن الشيء يستلزم الجهل به ، المناسب لحقارته من وجه لأن الحقير لا يلتفت إليه ، فلا يعلم ولتهويله من وجه آخر ، لأن الأمر الهائل لعظمته وفخامته ينافي أن يحاط به علما ، ولاستبعاد وقوعه أيضا لأن ما هو قريب الوقوع فالأولى أن يكون معلوما ، وقال في استعمال الاستفهام للتعجب الاستفهام عن الشيء يستلزم الجهل به المناسب للتعجب ؛ لأنه كيفية نفسانية تابعة لإدراك الأمور القليلة الوقوع المجهولة الأسباب ، وقال في استعماله للاستبطاء : الاستفهام عن الشيء يستلزم الجهل به ، والجهل به يستلزم استبعاده عادة أو ادعاء ؛ لأن الأنسب بما هو قريب أن يكون معلوما إما بنفسه أو بأماراته ، والأنسب بما هو بعيد أن يكون مجهولا واستبعاده يستلزم استبطاءه ، وقس على ذلك نظائره ، هذا كلامه فتأمله.
(وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها) والظاهر أن المصنف قصد بهذا الكلام ادعاء أن الاستفهام غير الحقيقي ، الذي تستعمل له الهمزة منحصر في تلك الأمور الثمانية خاصة ، من غير زيادة عليها ، وهذا غير مسلم ، فأي مانع يمنع من أن كلمة الاستفهام عند امتناع حملها على