و «الحسناء» : إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه [من الوافر] :
١٦ ـ يعود الفضل منك على قريش |
|
وتفرج عنهم الكرب الشّدادا |
______________________________________________________
معترفون بأن هذه الضمة إعرابية ، وأن الإتيان بها على خلاف القياس ، إذ المبني إنما يتبع باعتبار محله في الإعراب لا باعتبار لفظه في البناء ، ألا ترى أنك تقول هؤلاء الكرام بضم الميم اعتبارا لمحل هؤلاء من الإعراب ، ولا تكسر الميم اعتبارا بالكسرة البنائية التي في لفظه آخرا واعتذر بعضهم عن ذلك بأن ضمة المنادى لما كانت تحدث بحدوث حرف النداء ، وتزول بزواله كانت كالرفع من حيث إنها عارضة ، كما أن الرفع عارض ، وصارت أداة النداء كالعاملة لتلك الضمة فجاز لأجل هذا المعنى الإتباع على اللفظ.
وفي «اللباب» أن الضم لاطراده هنا أشبه الرفع ، واعترضه بعض الشارحين بأن الاطراد ليس سببا لجري المعرب على لفظ المبني ، فإن كسرة نحو هؤلاء وأمس مطردة ، ومع ذلك لا توجب إجراء الصفة على لفظه.
وأجاب صاحب «العباب» بأن نحو هؤلاء وأمس ليس بداخل تحت ضابط كلي ، حتى يقال إن كسرته مطردة ، إذ ليس كل ما كان للجمع من أسماء الإشارة كهؤلاء ، أو ظرفا كأمس يكون البناء فيه على الكسر ، قلت : هذا جواب خاص بهذين اللفظين المعينين ، وليس بمطرد إذ لو أورد الشارح الأوّل فعال لسب المؤنث في باب النداء نحو يا فساق ، ويا خباث فإنه مبني على الكسر قياسا مطردا بلا نزاع لم يتأت للشارح الثاني هذا الجواب البتة ، وبعد فالرفع في التابع المفرد في مثل هذه الصورة مشكل جدا على مقتضى قولهم : إن الحركة إعرابية ، وتقرير الإشكال : أن كل حركة إعرابية إنما تحدث بعامل ، وهنا لا يصح أن يكون العامل المحدث لحركة هذا التابع المرفوع هو العامل في المتبوع ولا نظيره ، إذ عامل المنادى أدعو مثلا ، وهو يقتضي النصب لا الرفع ، وقول القائل : حرف النداء كالعامل ترويج لا يلتفت إليه ، وقولهم : شبهت ضمة المنادى لعروضها بضمة الإعراب لا يغني في دفع السؤال شيئا ، ولم أقف إلى الآن على جواب لهذا الإشكال قلت : وإنما نشأ من التزامهم أن حركة التابع حركة إعراب ، وإلا فلو قيل : بأنها حركة إتباع لا حركة إعراب ولا بناء لكان حسنا ولم يتجه هذا الإشكال أصلا.
(والحسناء إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضياللهعنه :
يعود الفضل منك على قريش |
|
وتفرج عنهم الكرب الشدادا (١) |
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير ، انظر خزانة الأدب للبغدادي ، الشاهد (٧٦٤).