فضل بوركهارت
الفضل المنسوب إلى بوركهارت لا يرجع إلى رؤية هذا الرجل لأشياء كثيرة فى الجزيرة العربية ، وإنما للأشياء الكثيرة التى وقف عليها فى هذا العدد القليل من الأشياء التى رآها ، وهذا راجع إلى رؤية الرجل الواضحة واستعداده الذهنى نتيجة دراسته للسلطات المحلية. عظمة بوركهارت لا تتجلى فيما هو جديد على العلم الغربى ، وإنما فى أنه صادق ولا يزال صادقا وحقيقيا إلى الآن. كان بوركهارت الأول من بين رحالة الجزيرة العربية ، الذى فهم مسألة التزام المستكشف باستخدام التقصى بكل أنواعه وصنوفه ، كما أن قلة قليلة من المستكشفين هم الذين تركوا وراءهم شيئا قليلا لذلك الرجل الذى جاء بعدهم. يضاف إلى ذلك أن وصف بوركهارت لكل من جدة ومكة [المكرمة] إنما هو وصف موسوعى ، الثمرة الطيبة لعين متأنية وفاحصة لم تغمض مطلقا عن الاهتمام بكل ما يتعلق بالبشر. وبيرتون عندما تحتم عليه تقديم روايته الخاصة لزيارته التى قام بها إلى العاصمة الدينية بعد ذلك بأربعين عاما لم يكن أمامه أفضل من الاقتباس عن بوركهارت ، وعندما يجد بيرتون Burton ما يضيفه إلى الوصف الذى قدمه سلفه للمدينة [المنورة] ، فإن السبب فى ذلك يكون راجعا إلى المرض الذى أصاب بوركهارت وأودى بحياته خلال عامين.
ليس لدينا ما يزيد على ما قلناه عن الرحلات الحقيقية التى قام بها بوركهارت فى الجزيرة العربية. كل ما فى الأمر أن الرجل ذهب مباشرة من جدة إلى الطائف ، مارا بذلك على ركن من أركان مكة [المكرمة] ، كما مر أيضا من فوق جبل قورة. وبعد أن تحسنت علاقته بمحمد على عاد فى ثوب التقوى والدين إلى المدينة المقدسة ليكون فى انتظار مجىء قوافل الحج. وبصحبة المؤمنين أدى الرجل فريضة الحج فى شهرى نوفمبر وديسمبر ، ولكن ضاعت منه فرصة العودة ، وغادر مكة [المكرمة] مع بعثة الحج السورية ، وكان السبب فى ذلك هو هروب الجمّالة المرافقين له ومع ذلك ، عندما عثر الرجل على جماعة صغيرة متجهة إلى المدينة [المنورة] فى شهر يناير