مكانة بوركهارت بين الباحثين
فى عالم البحث والباحثين ، وبخاصة فيما يتعلق بمن جاءوا بعد بوركهارت ، لا نجد اسما من بين أسماء أولئك الذين استكشفوا الجزيرة العربية ، يستحق الثناء والتقدير أكثر من اسم بوركهارت ، وهو لا يستحق كل هذا الثناء والتقدير على كبر اكتشافاته وزخمها (على الرغم من ادعائه الأولوية فى كثير من الأمور) ، وإنما لأن ترحّل هذا الرجل غطى مساحة أقل من المساحة التى غطاها نيبور. لم يواجه بوركهارت أخطارا كبيرة ، ولم يواجه صعوبات غير مسبوقة ، ولم يدخل فى مغامرات تثير الدهشة والعجب. كان إبراهيم بن عبد الله (بوركهارت) واحدا من تلك الجماعة الصغيرة صاحبة الحكمة الحكيمة ، وواحدا من أولئك الرحالة المستبصرين الذين يمضون فيما يفعلون بسهولة ويسر ، فى الوقت الذى يكابد فيه رحالة آخرون المتاعب والمشاق ، ولا يعلمون شيئا عن اللحظات المثيرة فى أرض يمكن أن تعمر بالمخاطر فى أى وقت من الأوقات. وإبراهيم بن عبد الله هذا يشهد ويقر أنه لم ينعم بالسلام والطمأنينة إلا عند ما كان فى مكة ، كما يشهد ويقر أيضا أنه لم يلاق فى الجزيرة العربية أحداثا أسوأ من الأحداث التى يمكن أن تقع لعابرى السبيل أو الحجاج العاديين فى الحجاز ، ولو لا الأمراض الكثيرة التى أصابت جسمه لسجل لنا ذلك الرجل رواية مثيرة. كان إبراهيم بن عبد الله (بوركهارت) ضليعا فى الشريعة والأعراف الإسلامية ، ولم يكن ينكر أنه أوروبى ، ولكنه كان يدعى ادعاء منطقيا بأنه مرتد عن دينه ودخل فى دين الإسلام منذ بضع سنين ، وأن الرجل لم يفعل فى حياته اليومية أى شىء غير ذلك الذى يفعله أى رجل من الرجال المتعلمين المستنيرين أصحاب الدين ، كما كان الرجل يتكلم العربية بطلاقة ، وكانت لغته العربية سليمة ، يزاد على ذلك أن بوركهارت لم يهيئ الفرصة التى يمكن أن تمكن منه أيّا من الباشا المصرى الذكى ، أو أهل المدينتين المقدستين الواعين المتنبهين ، أو أولئك المتشددين الذين يتجمعون فى موسم الحج ، أو البدو الأجلاف الذين صادفهم على الطريق.
بقى أن نقول أن بوركهارت كان يحكم على الأمور من وجة نظره الميثولوجية المحدودة وهذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.