كبير فى الطقوس ، ذلك أن الرجال والنساء كانوا مجبرين على الظهور فى حال من العرى الكامل (*) حتى يمكن لهم التخلص من ذنوبهم مع التخلص من ملابسهم. كان سكان الجزيرة العربية القدماء يمجدون الصفا والمروة باعتبارهما مكانين مقدسين ، يحتويان على صور ذهنية للإلهين مطعم ونهيك ، وفى هذين المكانين كان من عادة عبدة الأوثان السير من مكان إلى آخر ، بعد عودتهما من الحج. هنا ، إذا كان علينا أن نصدق الحديث الشريف ، نجد أن هاجر ، أم سيدنا إسماعيل عليهالسلام راحت تتجول فى الصحراء ، بعد أن طردت من بيت (سيدنا) إبراهيم ، حتى لا تشهد وفاة طفلها الصغير ، الذى وضعته ، وهى تكاد تموت ظمأ ، وعندما ظهر جبريل (ضرب الأرض بقدمه ، الأمر الذى جعل عين زمزم تنفجر على الفور. وتأبينا لتجوال (ستنا) هاجر ، التى قطعت فى كربها سبعة أشواط بين الصفا والمروة ، ويقال إن المشى من مكان إلى الآخر أدرج ضمن الطقوس.
يروى المؤرخ الأزرقى ، أن العرب فى الجاهلية بعد أن ينتهوا من الحج إلى عرفات ، كانت كل القبائل المختلفة الموجودة تتجمع عند العودة إلى مكة فى المكان المقدس المسمى الصفا ، ليتغنوا بصوت عال مشحون بالعاطفة ، يمجدون أسلافهم ، ويتذكرون أمجادهم ويذيعون صيت أمتهم. كان ينبرى من كل قبيلة من القبائل شاعر يروح يخاطب الجماهير ، قائلا : «إلى قبيلتنا ينتمى المحاربون الأشاوس فلان وعلان وينتمى إليها أيضا الكرام من أمثال زيد وعبيد ، ونحن الآن نفتخر بآخرين غير هؤلاء وأولئك». ثم يبدأ الشاعر بعد ذلك فى سرد الأسماء ، ويتغنى بأمجادهم ومناقبهم ، ويختم قصيدته بمقطوعة من الشعر البطولى ، مناشدا القبائل الأخرى مستخدما عبارات من قبيل : «هذا الذى ينكر حقيقة ما أقول ، أو من يتساءل عن مثل هذا المجد والشرف
__________________
(*) لم يكن العرى واجبا على كل الحجيج فى الجاهلية ، وإنما طائفة من العرب أطلق عليهم اسم «الحمس» ، وكانوا قلة.