جرهم ، بعد وفاة (سيدنا) إسماعيل باغتصاب ملكية كل من بئر زمزم والكعبة. أثناء مقامهم فى هذا الوادى ، قاموا بترميم الكعبة أو إعادة بنائها لكن بئر زمزم انسدت بفعل السيول العاتية ، واستمر ذلك الانسداد على امتداد ألف عام ، ثم قامت قبيلة خزاعة بعد ذلك بالاستيلاء على الكعبة لمدة ثلاثمائة عام ، ثم قام هؤلاء الذين جاءوا بعد خزاعة ، وهم من قبيلة قصى بن كلاب ، بإعادة بناء الكعبة ، ونظرا لأن الكعبة كانت معرضة دوما للدمار من قبل السيول ، فقد كانت دوما بحاجة إلى الترميم والإصلاح. كانت الكعبة فى ذلك الزمان مكشوفة من أعلى ، ولكن بنى قصى قاموا بسقف الكعبة ، واعتبارا من ذلك التاريخ أصبحت الكعبة غير معرضة لمخاطر الهدم.
هناك عربى من بنى قصى ، يدعى عمر بن لاهاى ، أول من أدخل عبادة الأوثان بين إخوانه المواطنين ، وهو الذى أحضر الصنم المدعو هبل من حيث فى بلاد الرافدين (*) ووضعه فى الكعبة. وهنا بدأت عبادة الأوثان تنتشر انتشارا سريعا ، ويبدو أن كل قبيلة عربية اختارت إلاهها الخاص بها ، أو صنمها الخاص بها ، ولما كانت الكعبة تعد بانثيونا (**) عاما لهذه الأصنام كلها ، فقد راح الناس يترددون عليها فى موسم الحج. يقول الأزرقى إن النخلة التى يسمونها عزّا كانت تعبدها قبيلة خزاعة ، أما بنو ثقيف فكانوا يعبدون الصخرة المسماة اللات ، وهناك شجرة كبيرة يسمونها ذات آروات ، كانت قريش تعبدها ، يزاد على ذلك أن الأماكن المقدسة مثل منى ، والصفا ، والمروة كلها كانت أشباه آلهة ، والمؤرخون يوردون قوائم طويلة بآلهة أخرى كثيرة. وتزايد عدد الأصنام ، إلى حد أن أصبح فى كل بيت صنم ، بل فى كل خيمة من الخيام المنصوبة فى هذا الوادى ، وكانت الكعبة مزينة بثلاثمائة وستين صنما ، بعدد أيام السنة.
__________________
(*) راجع الأزرقى.
(**) بانثيون : هيكل عام للآلهة (المترجم).