فى زمن السلم مع المناطق الداخلية تروج التجارة رواجا كبيرا مع البدو وبخاصة مع سكان مدن نجد ، الذين يحتاجون إلى البضائع الهندية ، والعقاقير الهندية ، والملابس أيضا ، والتى يحصلون عليها إما من المدينة المنورة ، أو بسعر رخيص من مكة. والبن الذى يستخدم على نطاق واسع فى الصحراء يستورده أهل نجد بأنفسهم ، إذ يرسلون قوافلهم الخاصة بهم إلى اليمن الذى ينتج البن.
المكيون الذين ليسوا على قدر من الغنى والثراء يمكّنهم من الاتجار فى البضائع الهندية (التى تحتاج إلى مبالغ نقدية كبيرة ، والتى قد تبقى لفترات طويلة) يستثمرون رأسمالهم فى موسم الحج ، فى تجارة الحبوب والتموينات. كان ذلك الأسلوب أكثر ربحا فى الزمن الماضى عنه حاليا ، والسبب فى ذلك أن محمد على بعد أن قام باحتكار هذه السلع ، اضطر الناس إلى شراء القمح من جدة بالسعر الذى يحدده الباشا ، وأن يكونوا راضين عن تحقيق هامش ربح عندما يعيدون بيع القمح فى مكة. بعد دفع مصاريف النقل ، يتبقى لهؤلاء التجار ربح يتردد بين خمسة عشر فى المائة وعشرين فى المائة ، وهذا النوع من الاتجار يناسب تماما رءوس الأموال الصغيرة ، نظرا لتباين الأسعار ، هذا نوع من اليانصيب يمكن أن تؤدى فى بعض الأحيان إلى مضاعفة رأس المال خلال فترة وجيزة.
مع اقتراب موسم الحج ، ترتفع أسعار المؤن والتموينات كلها ، وبالتالى أيضا أسعار السلع الأخرى. وبذلك يضمن هؤلاء الذين لديهم مخازن عامرة بالقمح ، والأرز ، والبسكويت حصولهم على أرباح كبيرة. مسألة توفير الأغذية والطعام ، طوال مقامهم ، لدفق من السكان يصل إلى حوالى ستين ألفا من البشر ، ولحوالى عشرين ألف جمل ، إضافة إلى المؤن والتموينات اللازمة لهذه الآلاف المؤلفة عند العودة إلى أوطانهم ، تعد مسألة غاية فى الأهمية ، ولم يخاطر محمد على باشا بوضع أبعاد كل هذه المسألة بين يديه. والمكى الذى يمتلك حفنة دولارات ، يستثمر هذا المبلغ فى شراء نوع من التموينات يقوم بنقله على حماره مع اقتراب موسم الحج ، من جدة إلى مكة.