عندما تنفتح المناطق الداخلية من الجزيرة العربية أمام القوافل ، يجىء البدو من سائر الأنحاء المحيطة بمكة لشراء مؤنهم السنوية من القمح من مكة ، التى تستقبل هى بدورها ، فى زمن السلم ، كميات كبيرة من القمح من اليمن ، وبخاصة المخواه ، تلك البلدة التى تبعد مسير عشرة أيام عن مكة ، وتقع عند السفح الشرقى لسلسلة الجبال الكبيرة ، كما تعد سوقا للعرب الذين يقومون بزراعة هذه الجبال. وعلمت أيضا أن الواردات من المخواه تقدر بنصف احتياجات مكة ، لكن هذا أمر تدور من حوله الشكوك ، على الرغم من أنى ليست لدىّ الوسائل التى تمكننى من القيام بتقدير هذه الاحتياجات تقديرا دقيقا ، وسبب ذلك أن الطريق فى الوقت الراهن ، غير مطروق ، كما أن مكة تتلقى مؤنها وتمويناتها كلها من جدة ، ويجب أن نلاحظ أن استهلاك الحبوب ، فى الجزيرة العربية أكبر بكثير من أى دولة من الدول المجاورة ، يزاد على ذلك أن السواد الأعظم من السكان يعتمدون تماما على القمح والشعير ، والعدس ، أو الأرز ، وهم لا يستعملون الخضراوات ، وإنما يستعملون مقدارا كبيرا من الزبد.
الشخص نفسه إذا لم يكن من العاملين فى مجال التجارة ، أو إذا لم يكن له صديق ألمعى بين تجار الجملة ، يصعب ، إن لم يستحل عليه ، الحصول على تفاصيل دقيقة عن هذه التجارة الواسعة التى تجرى فى مكة. وأنا هنا سوف أتحاشى مسألة إيراد بعض الملاحظات الخاطئة حول هذا الأمر ، الذى لست على دراية كاملة به ، والذى لم أعثر فى مكة على أحد يمكنه أن يشرح لى تفاصيله.
من الطبيعى أن نسلم أن مكة بلد غنى ، وسوف تزداد مكة غنى على غناها ، إذا لم تسارع الطبقات الدنيا إلى إنفاق مكتسباتها فى تلبية المطالب الشخصية. تجار الجملة أثرياء ، ونظرا لأن تجار الجملة فى مكة يعملون بنظام الدفع الفورى ، فهم بذلك يكونون أقل تعرضا للخسارة عن التجار الشرقيين الآخرين. السواد الأعظم من تجار الجملة المكيين لهم مكاتب ومؤسسات فى جدة ، وبذلك نجد أن التجارة فى المدينتين متصلة ببعضها البعض. فى زمن الوهابيين ، كانت المناطق الداخلية فى الجزيرة العربية