يتناول المكيون وجبتين يوميا ، واحدة قبل الظهر والثانية بعد غروب الشمس ، الطبقات الدنيا تتناول وجبة الإفطار مع طلوع الشمس ، ولا يأكلون بعد ذلك إلا عند غروب الشمس ، كما هو الحال فى بلاد الزنوج ليس من اللياقة فى شىء أن ترى رجلا يأكل فى الشارع ؛ الجنود الأتراك ، الذين يراعون سلوكياتهم الوطنية ويحافظون عليها يوبخهم الناس وينتقدونهم يوميا لسوء التربية فى هذا الصدد.
قبل الغزو التركى ، وقبل الحروب التى خاضها الشريف ضد الوهابيين كان تجار مكة يحيون حياة سعيدة. خلال شهرى مايو ويونيو كان التجار يحضرون مزاد بيع البضاعة الهندية فى جدة ، وفى شهرى يوليو وأغسطس (اللهم إلا أن نصادف ذلك مع موسم الحج) كان هؤلاء التجار يلجأون إلى منازلهم فى الطائف ، لتمضية موسم الحر الشديد ، تاركين وراءهم شركاءهم أو كتبتهم فى كل من جدة ومكة. طوال شهور الحج ، يبقى هؤلاء التجار فى مكة ، وكانت الأسر المكية الثرية تصاحب الحج إلى عرفات باعتبار ذلك شكلا من أشكال التمتع ، وكانت تلك الأسر تخيم أيضا فى وادى منى على امتداد أيام ثلاثة.
فى شهر رجب ، الذى هو الشهر السابع بعد الحج ، كانت تنطلق قافلة من مكة قاصدة المدينة المنورة ، وكانت تلك القافلة تضم مئات عدة ، راكبين ذللا. فى ذلك الوقت كانت هناك سوق تنعقد فى المدينة المنورة ، وكان كثير من البدو يؤمون تلك السوق فى كثير من الأحيان ، كما كان أهل الحجاز وأهل نجد يؤمون هذه السوق أيضا.
كانت البضاعة تصل إلى تلك السوق من مكة عن طريق قوافل كبيرة من الإبل ، وكانت تلك القوافل تستأنف مسيرها عقب سفر الحجاج مباشرة ، وكان الناس يطلقون على هذه القوافل اسم ركب المدينة (*) المنورة. كان الناس يبقون حوالى عشرين يوما
__________________
(*) جرت العادة أن يطلق أهل الحجاز اسم «ركب» على القوافل ، وهم عندما يتكلمون عن قافلة بغداد يقولون ركب الشام ، أو ركب العراق.