فى المدينة المنورة يعودون بعدها إلى مكة. هذا التغيير المتكرر المنتظم والمتكرر للمسكن ، لا بد أن يكون فى مصلحة التجار ، وبخاصة فى تلك الأزمان ، يوم أن كان هؤلاء التجار يعرفون على وجه الدقة احتمالات الربح من موسم الحج التالى ، ولما كانت الطائف والمدينة المنورة شبه مدمرتين فى ذلك الوقت ، فقد حدا ذلك بتجار مكة إلى التحول إلى جدة باعتبارها المكان الترفيهى الوحيد ، ومع ذلك نجد أن التجار الذين لهم زوجات ومنازل فى جدة ، يتحدثون عن مؤسساتهم فى مكة باعتبار أن أوقاتهم طوال العام تكون فى تلك المؤسسات.
سكان كل من مكة وجدة (وإلى حد ما) سكان المدينة المنورة يتميزون بحيوية أكثر من حيوية السوريين أو المصريين. لا أحد من هذه الآلات الصامتة المتجهمة له وجود هنا فى هذا المكان ، على الرغم من شيوع هذه الوجوه فى أجزاء أخرى من الشرق ، هذه الوجوه ترى فى غبائها ، وتبلد إحساسها دليلا على رهافة الإحساس ، والحصافة والحكمة.
شخصية المكى تشبه شخصية البدوى من هذه الناحية ، هذا يعنى أن الجشع والجرى وراء المكاسب لا يشوه ملامح هذه الشخصية فى كثير من الأحيان ، هذا يفيد أن ابتسامة المرح تعلو شفاه هؤلاء الناس بصفة دائمة. فى الشوارع ، وفى أسواق العاديات الشرقية ، وفى المنازل بل وحتى فى المسجد ترى المكى منبسطا وميالا إلى الضحك والتنكيت. والمكيون عندما يتعاملون مع بعضهم البعض ، أو عندما يتحدثون فى أمور خطيرة ، تراهم دائما يستعملون الأمثال أو التوريات ، أو الإشارات الألمعية ، الأمر الذى يولد الظرف ويجلب الضحك. حوارات المكيين مقبولة جدا ، وسبب ذلك أن هؤلاء الناس وهبهم الله مزاجا عامرا بالحيوية ، ووهبهم أيضا رجاحة العقل ، والسلوك الحسن ، وهم يعرفون كيف يفيدون من هذه السجايا ويجعلونها تتفق وتتوافق مع دواخلهم ، وكل من يعرف هؤلاء المكيين ولو معرفة سطحية ، يندر ألا يصيب شيئا من طباعهم الطيبة. المكيون مؤدبون مع بعضهم البعض ، ومع الأجانب والغرباء أيضا ، وهم فى ذلك يكونون على العكس من المصريين والسوريين ، وفيهم أيضا شىء من طبيعة