أورده دينون عن المقاومة الشرسة التى قامت بها تلك الحملة ضد الفرنسيين فى الوجه القبلى ، يتبين مصير الكثيرين من هؤلاء العرب الذين كان السواد الأعظم منهم من القبائل الوهابية ، التى شكلت فيما بعد مقاومة شرسة ضد محمد على باشا. ولقى الشيخ الجيلانى ربه فى تلك الحملة ، ولم يعد إلى جدة ومكة سوى عدد قليل من أفراد هذه الحملة. ومبلغ علمى أن دينون يبالغ فى عدد أفراد هذه الحملة ، لأنى لم أسمع مطلقا أن عددهم كان يزيد على ألف وخمسمائة رجل بأى حال من الأحوال.
المكيون ، شأنهم شأن السكان الأتراك ، لا يتسمون باللصوصية أو الاختلاس ، ويندر السماع عن السرقات بين هؤلاء الناس ، وذلك على الرغم من أن مكة أثناء الحج وفى الشهر السابق والشهر اللاحق للحج تغص بكثير من الأوغاد بفتح الأقفال فى هذا البلد.
فيما مضى كان عبيد الشريف شهيرين بسلوكهم المشين ، ومع ذلك استطاع الشريف غالب إعادتهم إلى جادة الصواب ، وفى عهد الشريف غالب لم يقع مطلقا أى حادث من حوادث السرقة ، دون التوصل إلى مرتكبيه ومعاقبتهم عقابا شديدا.
شوارع مكة عامرة بالشحاذين وفقراء الحجاج ، الذين يعيشون على إحسان الغرباء ، نظرا لأن المكيين يعدون أنفسهم معفيين من هذا الواجب. من بين هؤلاء الحجاج الفقراء من يمتهنون التسول ويجعلونه حرفة لهم ، وبخاصة أثناء موسم الحج ، عندما يضطر الحجاج إلى إتيان هذه الفضيلة التى تركز عليها المبادئ المحمدية. الغالبية العظمى من الشحاذين هم من الهنود ، وبعض منهم من السوريين ، ومن المغاربة ، ومن المصريين ، ولكن الزنوج يشكلون قلة قليلة من هؤلاء الشحاذين ، نظرا لأن الزنوج يفضلون العمل على التسول ، ولكن هناك قسم كبير من المتسولين ، يأتون من اليمن. ويتردد فى الشرق أن مكة هى فردوس الشحاذين ، بعض هؤلاء الشحاذين قد يوفرون أو يدخرون شيئا من المال ، لكن المنظر المذرى لبعض آخر من الشحاذين يوضح مدى خيبة الأمل التى منيوا بها. الهنود هم أكثر الشحاذين تواضعا ، وهم يقتربون من الغريب ويقولون : «يا الله ، يا كريم! ، وإذا ما رفض المحسن إعطاءهم صدقه ، انصرفوا