لحال سبيلهم ، دون أن يقولوا شيئا سوى : «يا الله ، يا كريم». الشحاذون اليمنيون أو المكيون ليسوا على هذه الشاكلة ، وإنما يصيحون قائلين : «أفهم واجب الحاج ، الله سبحانه وتعالى لا يحب أصحاب القلوب الباردة ، هل ترفض نعم المؤمنين؟ أعط ، وسيعطيك الله ، وهكذا يخاطب الشحاذون اليمنيون والشحاذون المكيون الناس بهذه الجمل والعبارات ، وبعد أن يحصلوا على الصدقة ، مثلما كان يفعل مزورى (دليلى) يقولون : «الله سبحانه وتعالى هو الذى يعطينى وليس أنت». بعض هؤلاء الشحاذين منتهزين للفرص تماما ويطلبون الصدقات كما لو كانت لهم حقا معلوما. عندما كنت فى جدة ، كان شحاذ يمنى يصعد المئذنه كل يوم ، بعد صلاة الظهر ، وينادى بأعلى صوته ، لكى يسمعه الناس فى سائر أنحاء السوق وهو يقول : «طالب من الله ، خمسين دولارا ، وطقم من الملابس ونسخة من القرآن ، اسمعونى ، يا مؤمنين ، أسألكم أن تعطونى خمسين دولارا ، راح ذلك الشحاذ اليمنى يكرر هذا الطلب على امتداد أسابيع عدة ، عندما استرعى ذلك الرجاء انتباه أحد الحجاج الأتراك ، وطلب منه أن يأخذ ثلاثين دولارا ، ويتوقف عن تكرار هذا النداء ، الذى كان يلحق العار بإحسان الحجاج الموجودين ويسىء إليهم. رد الشحاذ قائلا : «لا ، لن آخذ الثلاثين دولارا ، لأنى على قناعة أن الله سبحانه وتعالى سيعيطنى كل ما أطلبه». وبعد أن راح ذلك الشحاذ اليمنى يكرر نداءه على امتداد بضعة أيام ، أعطاه الحاج التركى مبلغ الخمسين دولارا التى كان يطلبها ، لكن الشحاذ لم يشكر له هذا المعروف. ولقد سمعت الناس وهم يتعجبون بعد الصلاة فى المسجد الحرام ويقولون : «يا إخوان ، يا مؤمنين ، اسمعونى! أطلب من الله عشرين دولارا ، أجرة عودتى إلى بلدى ، عشرين دولارا لا غير. أنتم تعلمون أن الله كريم ، وقادر على أن يعطينى مائة دولار ، ولكنى لا أطلب سوى عشرين دولارا فقط. لا تنسوا أن الإحسان هو الطريق الموصل إلى الجنة». وليس هناك من شك فى أن هذه الممارسات تكلل بالنجاح فى بعض الأحيان.
لكن العلم والتعليم لا يمكن أن يزدهر فى مكان الشغل الشاغل للعقول فيه هو المكاسب أو الجنة ، وأنا أرى أن لدىّ من الأسباب الكثير الذى يجعلنى أؤكد أن مكة فى