الاختلافات الطفيفة فى كتابات أهل حلب ، وكتابة أهل دمشق ، وكتابة عكا ، وفى مصر نجد أن الكتابة القاهرية يسهل تمييزها عن كتابة الوجه القبلى ، وكتابة المسلمين تختلف عن كتابة المسيحيين ، الذين يتعلمون الكتابة على أيدى القساوسة ، وليس على أيدى المدارس أو المدرسين الأتراك. أقباط مصر أيضا تختلف كتابتهم عن كتابة المسيحيين الآخرين المقيمين فى البلاد. الأشخاص الخبيرين ، يعرفون من عنوان الخطاب ، المنطقة والجنس الذى تنتمى إليه هذه الرسالة. لهجات كتابة الرسائل وأسلوبها يمكن تمييز بعضها عن بعض مثل الخطوط تماما ، وهذه الملاحظة تنطبق أيضا على تعبيرات التحية التى عادة ما تعج بها الرسائل. الأسلوب السورى هو أكثر الأساليب توردا ، ونجد هذه اللغة الوردية مستعملة أيضا فى خطابات ورسائل المال والأعمال ، أما أسلوب الحجاز فهو أسلوب بسيط ، ورجولى ويقترب جدا من صراحة البدو وتلقائيتهم ، ولا يرد فى الرسالة قبل الهدف منها سوى كلمات قليلة يسأل فيها مرسل الرسالة عن صحة المرسل إليه وأحواله. يضاف إلى ذلك أن كل بلد له أسلوبه وطريقته الخاصة فى طى الرسالة. فى الحجاز يجرى غلق الرسالة بالصمغ العربى ، ويجرى وضع إناء صغير مملوء بالصمغ المخفف بالقرب من بوابة أى منزل من المنازل الكبيرة أو أى خان من الخانات.
لا تزال لغة مكة أكثر نقاء ورونقا بغض النظر عن عدم اهتمام المكيين بالتعليم (*) ، هذا النقاء والرونق يتجلى على مستوى العبارة وعلى مستوى مخارج الألفاظ ونطقها ، وذلك على العكس من البلدان الأخرى الناطقة باللغة العربية. لغة مكة هى الأقرب إلى اللغة العربية المدونة القديمة ، وهى خالية من تكلفات المعنى الأصلى وتحريفاتها التى تكثر فى البلدان الأخرى ، وأنا لا أنظر إلى اللغة العربية باعتبار أنها مصابة بالانحطاط ، صحيح أنه لم يكن هناك شعراء يكتبون ويؤلفون مثل المتنبى ، أو أبى
__________________
(*) وأنا أشير هنا على سبيل المثال ، إلى إهمال التعليم فى مكة ، من خلال سؤال طرحته على اثنتى عشرة شخصية من الشخصيات المرموقة فى الحياة ، حول المكان الذى كانت تنعقد فيه سوق عكاظ ، ولم يعرف أى منهم مكان تلك السوق ، وما إذا كانت موجودة أم لا. عكاظ : هى المكان الذى كان الشعراء العرب ـ