كان الشريف غالب يحافظ بصورة دائمة على أن يكون مقبولا عند والديه البدويين ، وعندما كان والداه البديلان يزورانه كان يقف من مقعده ويحتضنهما ، على الرغم من عدم اختلاف ملبسهما عن ملبس بقية سكان الصحراء. حدث فى كثير من الأحيان أن رفض أبناء الشريف غالب ، الاعتراف بأبويهما الفعليين وكانوا يهربون ، فى بعض الأحيان ، وينضمون أو يلحقون أصدقاء الطفولة ، البدو الذين يعيشون فى الصحراء.
هذه العادة التى أتيت على وصفها هى واحدة من العادات القديمة فى الجزيرة العربية لقد تربى محمد صلىاللهعليهوسلم بين الأجانب والأغراب ، فى قبيلة بنى سعد ، والمكيون يضربون به صلىاللهعليهوسلم المثل إذا ما تكلموا فى مثل هذا الأمر ، الذى لا يزال ساريا بين الأشراف ، لكن الأشراف هم الوحيدون من بين سكان الجزيرة العربية كلها ، الذين ينهجون هذا النهج ، البدو الذين يطلق عليهم اسم الموالى (*) ، والذين كانوا يشكلون قبيلة قوية فى يوم من الأيام ، والذين يرعون قطعانهم فى المنطقة المجاورة لحلب ، هم الوحيدون الذين عثرت بينهم على شىء من هذا القبيل. عند الموالى نجد أن ولد شيخ القبيلة يجب أن يتربى وينشأ عند فرد آخر من أفراد القبيلة نفسها ، وغالبا ما يكون ذلك فى مخيم مختلف ، إلى أن يكبر ويصبح قادرا على العناية بنفسه ، بقية حياته.
يستقى الأشراف مزايا عديدة من تربيتهم البدوية ، وهم لا يكتسبون مجرد القوة والبنية القوية ، وإنما يكتسبون أيضا بعضا من تلك الطاقة ، وحرية التصرف والجرأة التى يتميز بها سكان الصحراء ، إضافة إلى تقديرهم الكامل لحسن النية ، وقوة الإيمان ، والكرم على نحو يختلف تماما عما لو كانوا قد تربوا ونشئوا فى مكة.
__________________
(*) هذه القبيلة هى أصلا من الحجاز : كانت تلك القبيلة تقيم فى منطقة قريبة من المدينة المنورة ، ويأتى كثير من مورخى المدينة المنورة على ذكر هذه القبيلة ، خلال القرن الأول الذى تلا وفاة محمد صلىاللهعليهوسلم.