أنا لم ألتق كثيرا من الأشراف. ومن بين الأشراف الموجودين حاليا فى مكة يجرى استخدام البعض منهم ـ وذلك أثناء مقامى فى مكة ـ فى العمل مرشدين وأدلاء مع جيش محمد على باشا ، أو بدمجهم ، بواسطة محمد على ، مع بعض البدو ليشكل منهم فيلقا صغيرا ، يقوده الشريف راجح ، الذى هو واحد من أبرز رجال الأشراف ، أو قد يجرى توظيفهم لخدمة الشريف يحيى ، الذى أوفدهم فى مهمة إلى المواقع المتقدمة فى اتجاه اليمن. تقاعد البعض من هؤلاء الأشراف بعد أسر الشريف غالب ، وعادوا إلى الوهابيين أو إلى اليمن ، فى حين لم يتبق منهم فى مكة سوى قلة قليلة. هؤلاء الذين سنحت لى الفرصة بمقابلتهم ، كانوا يتميزون بكثير من السمات التى توحى وتعبر عن أصلهم النبيل ، إضافة إلى أن ظاهرهم جميعا يوحى ويدل على أنهم من البدو ، هؤلاء الأشراف أحرار ، جسورين ، صرحاء ، أصدقاء حميمون ، أعداء ألداء ، ينشدون الشهرة ، وفى داخلهم فضيلة الفخر والكبرياء ، التى تضعهم على حد زعمهم فوق مستوى أعلى من مستوى سلطان اسطنبول. وأنا لم أر رجلا فى مستوى أناقة الشريف راجح ، الذى أتيت على ذكره عندما كنت أتحدث عن حملة محمد على باشا ، وكيف أن وقفاته ومواقفه المحترمة ستذيع شهرته بين الآلاف ، ولا يمكن لامرئ أن يتخيل وجها صبوحا يفيض حيوية وذكاء مثل وجه الشريف غالب. الشريف يحيى ، الحاكم الحالى ، صاحب بشرة شديدة السواد مثل والده تماما ؛ كانت أمه أمة حبشية تميل بشرتها إلى اللون البنى الغامق.
المكيون لا يثنون كثيرا على أمانة الأشراف. وأنهم غالبا ما كانوا يكشفون عن تقلب كبير فى الشخصية والسلوك ، لكن الأمر يختلف عن ذلك تماما إذا ما أخذنا بعين اعتبارنا المكان والزمان اللذين عاش فيهما هؤلاء الأشراف : تعليم هؤلاء الأشراف البدوى هو الذى جعلهم متميزين ومفضلين ، من نواح كثيرة على عامة المكيين.
هناك قاعدة بين الأشراف مفادها أن بنات الشريف الحاكم لا يمكن أن يتزوجن ، بينما يقوم أشقاؤهن باللعب فى الشارع مع أندادهم الذين لا يتميزون عنهم من حيث