وكان القاضى فى ذلك الوقت من الوهابيين ، وقد أجبر على التقاعد فى نهاية المطاف.أما شيخ الأشراف ، أو إن شئت فقل : السادات ، فقد ظل يحظى باحترام كبير ، هو وشيوخ متعددون آخرون ، من شيوخ المدينة المنورة ، وأنا أعتقد أولا وقبل كل شىء ، أن أهل المدينة المنورة يكرهون حكامهم الحاليين ، أقصد الأتراك ، بدرجة أقل من كراهية بقية سكان الحجاز لهم ، وذلك على الرغم من عدم إحداث نوع من المصالحة الحقيقية بينهم.
قبل الغزو الوهابى ، كان شريف مكة يحتفظ هنا فى المدينة المنورة ، بموظف صغير ، تتمثل مهمته فى استلام بعض الرسوم البسيطة التى كانت مفروضة على الخضروات ، واللحوم ، والمؤن الأخرى التى يجرى جلبها إلى السوق. تلك كانت الضريبة الوحيدة المفروضة على أهل المدينة المنورة ، بل إنها كانت بمثابة البقية الباقية من السلطة التى كانت لشريف مكة على المدينة المنورة ، التى ضاعت واختفت تماما فى الأيام الأخيرة. هذا يعنى أن الشريف غالب لم تعد له سلطة من أى نوع كان على المدينة المنورة ، لكنى أرى ، على الرغم من عدم تأكدى من ذلك ، أنه لا يزال يتمتع بالسلطة الاسمية ، أو بلقب رئيس المدينة المنورة ، فى أضعف الأحوال ، يضاف إلى ذلك أن وجود المدينة المنورة تحت قيادة شريف مكة إنما يجعلها ـ فى نظر الباب العالى ـ جزءا من الحجاز.
يضاف إلى ذلك أن كثيرا من الكتاب العرب المحترمين يؤكدون أن المدينة المنورة تشكل جزءا من نجد ، وليس من الحجاز ، وأن المدينة المنورة بالشكل التى هى عليه ، إنما تقع على الجانب الشرقى من سلسلة الجبال الكبيرة ، ويبدو أن هذا الرأى يقوم على أساس سليم ، إذا ما أخذنا بعين اعتبارنا مسألة الحدود الطبيعية ، لكن إذا ما سحبنا ذلك المصطلح على الساحل ، وعلى كل من مكة والمدينة المنورة ، نجد أن المدينة المنورة تشكل جزءا من الحجاز ، وذلك على الرغم من أن بدو الداخل يعطون لهذه التسمية دلالة مختلفة تماما.