مصابين بالحمى ، ويبدو أن يحيى أفندى قد وفق فى شفاء هؤلاء المرضى ولم يكن موفقا فى شفائى أنا. كل أشكال الحمى هنا من النوع المتقطع ، ويحاط المرضى بعد شفائهم من الحمى برعاية كبيرة ؛ إذ يخشى الناس من معاودة الحمى لهم. بعد أن خرجت من سكنى بعد شفائى ، وجدت الشوارع تغص بأعداد كبيرة من المتماثلين للشفاء ، الذين يدل مظهرهم دلالة واضحة على الأعداد الكبيرة التى كانت تعانى مثلى تماما. هذه الأشكال من الحمى إذا لم يتم شفاؤها خلال مدة محددة ، فإنها غالبا ما تسبب إحداث تورمات مؤلمة فى المعدة ، وفى القدمين ، ولا تزول هذه التورمات بسهولة. أهل المدينة المنورة لا يهتمون بالحمى المتقطعة ، التى اعتادوا عليها ، الأمر الذى يندر أن يودى بحيواتهم ، لكن الأمر مختلف تماما مع الغرباء. فى بعض فصول العام تشكل الحمى المتقطعة وباء فى المدينة ، إذ يقال إن حوالى ثمانين شخصا ماتوا فى غضون أسبوع واحد ، ولكن الحالات التى من هذا القبيل تعد أمورا نادرة الحدوث.
يقال إن مرض الدوسنتاريا يندر حدوثه هنا ، وتشيع هنا الشكوى من الأمراض الباطنية ومن المرارة. ويبدو أن معدل الوفيات هنا فى المدينة المنورة ، أعلى من أى مكان آخر من الأماكن التى زرتها فى الشرق ؛ كنت أقيم فى مسكن قريب من أحد أبواب المسجد النبوى ، وكان يجرى إدخال جثث الموتى من هذا الباب للصلاة عليها قبل دفنها ، وكنت أسمع وأنا على فراش المرض الناس وهم يقولون : «لا إله إلا الله» وهم يدخلون جثث الموتى أو يخرجونها من المسجد. طوال مقامى وحجزى الذى دام ثلاثة أشهر بسبب مرضى فى المدينة المنورة كانت تمر على نافذتى يوميا جثة أو جثتان من جثث الموتى. وإذا ما أخذت معدل ثلاث جثث فى اليوم الواحد ، كان يجرى إدخالها إلى المسجد من خلال هذا الباب ، والأبواب الأخرى ، علاوة على العرب الفقراء الذين يموتون فى الضواحى ، والذين يجرى الصلاة عليهم فى المسجد الواقع فى ضاحية المناخ ، سنجد أن عدد الوفيات يقدر بحوالى ألف ومائتى نسمة سنويا ، فى هذه المدينة الصغيرة ، التى يبلغ إجمالى عدد سكانها فى نظرى بما يتراوح بين ستة عشر ألف نسمة