فى الشارع التقيت ببعضهم ، وحصلت منهم على معلومات كاملة عن المخاوف التى كانت تراودنى. كان وباء الطاعون قد بدأ ينتشر منذ حوالى عشرة أيام ، وكان فى الوقت نفسه على أشده فى القاهرة ، وقد استثار ذلك موجة من الغضب العارم بين الناس طوال أشهر عدة ؛ فى السويس على سبيل المثال ، مات عدد كبير من السكان ؛ من ميناء السويس أبحرت باخرتان محملتان بالمصنوعات القطنية ، ومعهما فيروس الطاعون الذى انتقل عن طريقهما إلى جدة ، لينتقل من جدة إلى ينبع. لم يشهد الحجاز قبل ذلك أية حالة من حالات الطاعون ، كما أن ذاكرة البشر لا تعى حتى ولو حالة واحدة من حالات الطاعون ، يزاد على ذلك أن المواطنين لم يقتنعوا بإمكانية حدوث ذلك حتى ولو مرة واحدة ، وبخاصة عند ما أعاد الوهابيون غزو المدينتين المقدستين مرة ثانية. لم يحدث أن كان الاتصال مع مصر فى أى وقت من الأوقات أفضل مما هو عليه حاليا ، ومن ثم لم تكن مسألة انتقال ذلك الوباء إلى الحجاز من قبيل المفاجآت. فى الوقت الذى كانت تموت فيه حوالى خمس عشرة نفس يوميا ، لم يصدق أهل المدينة ينبع أن المرض كان هو وباء الطاعون ، وذلك على الرغم من ظهور أعراض الصفراء على أجساد الموتى ، فضلا أيضا عن سرعة انتشار المرض ، الذى يندر أن يزيد على ثلاثة أيام أو أربعة ، كل ذلك كان يمكن أن يكون بمثابة أسباب مقنعة بأن ذلك الوباء إنما هو وباء الطاعون. وبعد خمسة أيام أو ستة من وصولى بدأ يتزايد معدل الوفيات ، إلى أن أصبح معدل الوفيات اليومى يتردد بين أربعين نفسا وخمسين نفسا يوميا ، الأمر الذى يعد معدلا خطيرا وسط عدد من السكان يقدر بما يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف نسمة. وهنا أصيب سكان ينبع بموجة من الذعر والفزع ، قلة قليلة من الناس هم الذين كانوا يميلون إلى الصبر على الخطر مثلما يفعل الأتراك فى أى مكان آخر من الشرق ، ولذلك نجد أن السواد الأعظم من سكان ينبع هربوا إلى العراء والخلاء ، الأمر الذى أدى إلى أن أصبحت ينبع بلدا مهجورا ، ومع ذلك طارد المرض الهاربين ، الذين كانوا يخيمون بالقرب من بعضهم البعض ، الأمر الذى أعجزهم عن إيجاد علاج لذلك الوباء ، ولذلك عاد الكثيرون منهم إلى ينبع من جديد ، والتمسوا لأنفسهم العذر فى هربهم بأن قالوا : «من باب رحمة الله أنه يرسل علينا هذا المرض ،