الرجل ، الذى أبلغنى أنه ذهب ليشارك فى غسل جثث الموتى. كان الفقراء الذين وافتهم المنية أثناء الليل ، قد جرى نقلهم فى الصباح فى نعوش إلى شاطئ البحر حتى يجرى غسلهم قبل الصلاة عليهم فى المسجد ، وكان عبدى قد رأى أن يشارك فى الأجر من خلال القيام بهذا العمل ، الذى أوكل لعدد كبير من الحجاج الزنوج الذين تصادف وجودهم فى ينبع. كنت أرغب أن يبقى ذلك العبد فى المنزل ، مستقبلا ، فى تلك الساعة ، كى يجهز لى طعام الإفطار ، لكنى لم استطع منعه من الخروج فى أوقات أخرى ؛ نظرا لأنى كنت أستطيع الاستغناء عن خدماته فى تلك الأوقات ، يضاف إلى ذلك أن الإنسان بوسعه المرور فى السوق دون أن يلمس أولئك المصابين بالعدوى ، أو حتى أولئك الذين يكونون على اتصال وثيق بأولئك المرضى.
إحساسى بالخطر الذى يتهددنى تزايد كثيرا عما كان عليه ، ولكنى هنا أجد نفسى قد تخلصت كثيرا من ذلك الخطر. بعد الأيام الأربعة أو الخمسة الأولى وجدتنى أتعايش مع فكرة الطاعون ورحت أقارن الأعداد الصغيرة التى تموت كل يوم بإجمالى العدد المتبقى من السكان ، يزاد على ذلك أن الأعداد الكبيرة من الأصحاء ، على الرغم من صلاتهم الوثيقة بالمصابين أو الميتين ، أزالت إلى حد بعيد كل مخاوفى من احتمال انتقال المرض عن طريق العدوى ، والمعروف أن الأمثال لها تأثيرات كبيرة على الأذهان ، الأمر الذى جعلنى أنظر إلى الأجانب الذين فى ينبع وأراهم غير مهتمين بالأمر ، وقد جعلنى ذلك أخجل من نفسى عند ما وجدتنى أقل شجاعة من هؤلاء الأجانب ، مع ذلك كان المرض يبدو كأنه واحد من أسوا أشكال الطاعون ، هذا يعنى أن قلة قليلة من أولئك الذين كانوا يصابون بالمرض هم الذين وصلوا إلى بر النجاة ، وقد لاحظت الشىء نفسه فى جدة. لم يستعمل العرب أى نوع من الدواء لعلاج ذلك المرض ، سمعت عن بعض الناس الذين لجأوا إلى الحجامة ، وعن أناس آخرين شفوا من ذلك المرض بعد أن لفوا حول أعناقهم شرائط لاصقة ، لكن هاتين الوسيلتين لم تكونا من بين الوسائل الأخرى الشائعة بين الناس ، ونظرا لأن الناس هنا اعتادوا على دفن الموتى خلال ساعات قلائل ، فقد شاهدت ، أثناء مقامى فى ينبع ، شخصين قيل إنهما ميتان ودفنا أحياء ؛ فقد أوحت الغيبوبة التى دخل فيها هذان الشخصان ، إلى الناس