فى ذروة شدة أزمة الطاعون ، بأنهما قد ماتا وفارقا الحياة ودفنهما الناس أحياء ، وقد كشف واحد منهما عند ما كان الناس يضعونه فى القبر عن بعض علامات الحياة ، وبالتالى أمكن إنقاذه ، أما جثمان الشخص الآخر ، الذى رآه الناس عند ما كانوا يفتحون القبر بعد أيام عدة من وفاته ، لدفن جثمان أحد أقاربه ، فكان غارقا فى الدماء فى منطقة اليدين والوجه ، كما وجد الكفن ممزقا ، بفعل المحاولات التى بذلها الميت وهو يحاول الخروج من القبر ، وعند ما رأى الناس ذلك قالوا : إن الشيطان شوه جسده بعد أن فشل فى إيذاء روحه.
انتبه محافظ ينبع ـ من باب الحرص ـ إلى أهمية عدم نشر الأرقام الحقيقية لعدد الوفيات ، لكن الدعاء المهيب : «لا إله إلا الله ، «الذى يدل على مرور جنازة أحد المسلمين ، كان يتناهى إلى الأسماع من كل مكان ومن كل حى من أحياء بلدة ينبع ، وأنا بنفسى أحصيت اثنين وأربعين دعاء من هذا القبيل فى يوم واحد فقط.
يتحول الطاعون عند الفقراء إلى مناسبة حقيقية ؛ ذلك أن الأسر القادرة تذبح خروفا عند ما يموت أحد أفرادها ، كما تذبح أيضا خروفا ثانيا فى اليوم التالى للوفاة ، ويجرى دعوة كل النساء والرجال إلى منزل الميت فى هذين اليومين. تدخل النساء بيت المتوفى ويحتضنّ ويعزين إناث أسرة المتوفى ، معرضات أنفسهن من حين لآخر للإصابة بالعدوى. هذه العادة ، أكثر من العادات الأخرى ، هى المسئولة عن سرعة انتشار الطاعون فى السواد الأعظم من البلدان الإسلامية ؛ والسبب فى ذلك أن الطاعون إذا ما أصاب أو تفشى فى عائلة من العائلات ، يصعب جدا ألا ينتقل إلى كل المنطقة المجاورة لتلك العائلة.
يشيع بين الأوروبيين بل وبين المسيحيين الشرقيين أيضا اعتقاد مفاده أن دين محمد صلىاللهعليهوسلم يمنع اتخاذ الإجراءات الاحتياطية ضد الطاعون ، لكن ذلك اعتقاد خاطئ. هذا الدين يحرم على أتباعه تحاشى المرض إذا ما دخل مدينة أو بلدا من البلدان ، لكن هذا الدين يحذر أتباعه أيضا من دخول أى مكان ينتشر فيه وباء الطاعون ، وتأسيسا على ذلك فإن هذا الدين يمنع الأفراد من عزل أنفسهم فى المنازل ، كما يمنعهم أيضا