يمكن أن يتخلصوا من ذلك المرض بصفة نهائية. كان كثير من العقلاء العرب يسخرون من هذه الفكرة ، لكن كان فيها شىء من الفائدة ، من منطلق أنها بثت الشجاعة فى قلوب أفراد الطبقات الدنيا.
مدينة ينبع مقامة على الجانب الشمالى لواحد من الخلجان العميقة ، التى تستخدم فى رسو السفن ، وهذا الخليج تحميه عند مدخله من الرياح الشديدة جزيرة ، والسفن فى هذا الخليج تقف قريبة من الشاطئ ، كما أن الميناء واسع على نحو يسمح باستقبال أكبر الأساطيل. هناك خليج صغير متفرع عن الخليج الكبير ، الأمر الذى يجعل ذلك الخليج الصغير يقسم مدينة ينبع إلى قسمين ؛ القسم الأكبر من هذين القسمين هو ما يطلق عليه اسم ينبع ، أما القسم الثانى ، وهو على الجانب الغربى ، فهو ما يطلق الناس عليه اسم القاد ، ولا يسكن فيه سوى الذين يعملون فى البحر. القسمان يطلان على البحر من ناحية ، ويحيط بهما من الناحية الأخرى ، جدار مشترك طويل ومبنى على نحو أفضل من جدران ميناء جدة ، وجدران الطائف والمدينة المنورة. هذا الجدار تتخلله أبراج كثيرة ، وقد بنى ذلك الجدار عن طريق الجهود المشتركة من قبل السكان أنفسهم ، باعتبار ذلك الجدار من المتاريس الدفاعية فى وجه الوهابيين ، وقد جرى تدمير الجدار القديم ، ولم يتبق منه سوى جزء صغير هو الذى يحيط بجزء من مدينة ينبع. الجدار الجديد يضم مساحة تكاد تكون ضعف المساحة التى تحتلها المنازل ، والجدار أو السور الجديد يترك بينه وبين مساكن المدينة قطعة أرض كبيرة خالية على شكل مربع يستخدمها الناس مقبرة لدفن الموتى ، كما تضم أماكن لتخييم القوافل ، ولتدريب القوات ، أو قد تترك خالية مثل الأرض اليباب. هذا الجدار أو السور يحتاج إلى حامية كبيرة للدفاع عنه فى كل مواضعه ، وسكان ينبع المسلحون لا يكفون عن القيام بهذه المهمة ، لكن المهندسين الشرقيين يقيّمون التحصينات وقوتها من خلال الحجم وليس بأية وسائل أخرى ؛ ومن هذا المنطلق جرى بناء سور سميك ، وخندق عميق على الحدود الخارجية لمدينة الإسكندرية القديمة ، الأمر الذى يحتاج إلى حوالى خمسة وعشرين ألفا من الرجال للدفاع عنه.