يتخذ لنفسه ، أثناء مقامه فى المدينة ، منصب المحافظ (حاكم المدينة) ؛ فى حين كان المحافظ الحقيقى أو الفعلى ، سليم أغا ، مجرد شىء هامشى. وقد وقعت بعض المشاجرات أثناء مقامى فى ينبع ، الأمر الذى أغضب سكان المدينة ؛ فقد قام ضابط تركى بفتح النار ، من مسدسه ، فى الشارع فى فترة الظهيرة ، على شاب عربى ، سبق أن لفت انتباهه إلى بعض الأعمال المشينة ، وارتكب ذلك الضابط التركى عملية القتل هذه بتباه كبير ، وذلك من باب الثأر والانتقام من ذلك الشاب لأنه رفض مقترحات ذلك الضابط ، ثم لجأ الضابط بعد ذلك إلى مركز رئاسة البمباشى طلبا للحماية ، والذى استنفرت قواته للوقوف فى وجه الغضب الشعبى ، وسارع أقارب القتيل إلى الذهاب إلى المدينة المنورة ليطلبوا من محمد على باشا القصاص من القاتل ، ولكنى غادرت ينبع قبل البت فى ذلك الأمر.
أهل ينبع كلهم مسلحون ، على الرغم من عدم تبدى ذلك للناس ، والواحد منهم يحمل عادة عصا غليظة فى يده. قلة قليلة من أهل ينبع هم الذين يقتنون الخيول ؛ الجهاينة المقيمون فى ينبع النخل لديهم سلالات جيدة من الخيول النجدية. كل أسرة من الأسر لديها عدد من الحمير التى يستخدمها الناس فى جلب الماء إلى المدينة. افتقار الناس هنا إلى الخدم أكثر حدة عنه فى مدن الحجاز الأخرى. أهل ينبع لا يوافقون على امتهان الأعمال الوضيعة ، وبخاصة إذا ما كانوا قادرين على تسيير حيواتهم بطرق وأساليب بديلة. الحجاج المصريون ، الذين يبقون على الشاطئ بعد أداء فريضة الحج ، يضطرون أمام احتياجهم للمال اللازم لعودتهم إلى بلدهم ، إلى العمل شيالين ، وعمال ، وحطابين ، وسقائين إلخ ، لقد شاهدت بنفسى رجلا يتقاضى قرشا ونصف القرش نظير حمولة لمسافة تقدر بحوالى خمسمائة ياردة ، لينقلها ذلك الحمّال من الشاطئ إلى منزل من المنازل.
ينبع هى أرخص بلدان الحجاز ، فيما يتعلق بالمؤن والتموينات ؛ ونظرا لوجود الماء بكثرة فى هذه المدينة ، ونظرا أيضا لأن جوها هو الأفضل من جو جدة من الناحية الصحية ، فإن الإقامة فيها تصبح أمرا مقبولا اللهم إلا باستثناء جحافل الذباب