اليوم السابع عشر من شهر يناير : نمنا ساعات قليلة أثناء الليل ، وهذا أمر نادر الحدوث فى مثل هذه الرحلات. القارة عبارة عن سهل من الصوّان الأسود ، وفيه تلال منخفضة على بعد مسافة كبيرة فى اتجاه الشرق ، كما أن فى هذا السهل قلة قليلة من الأشجار الشوكية ، لكنه ليس فيه ماء. اندهشت كثيرا للشبه الكبير بين هذا السهل وبين الصحراء النوبية ، الواقعة إلى الجنوب من شقراء ، وعلى الرغم من أننا كنا فى منتصف الشتاء فإن الحرارة كانت شديدة طوال فترة الصباح أثناء وجودنا فى قارة. لم يكن لدى أى أحد من أفراد القافلة أية خيمة من الخيام ، وكنت أنا الوحيد الأكثر تعرضا وانكشافا عن الآخرين ؛ إذ كان الآخرون راكبين إما فى شبرية أو فى شقدوف ، وهما نوعان من سرج الإبل المغطاة ، التى تحمى الناس بعض الشىء من أشعة الشمس ، سواء أكانتا فوق الجمل أم على الأرض ، والشبرية تتسع لشخص واحد ، أما الشقدوف فيتسع لشخصين ـ كل واحد منهما على جانب من جانبى الجمل. لكنى كنت أفضل دوما الركوب فوق الإبل المحملة ، من منطلق أن ذلك مريح أكثر ؛ إضافة إلى أن ذلك كان يضفى علىّ المزيد من الطابع العربى ، فضلا عن أن ذلك يمكننى من الركوب والنزول دون عون من أحد ، ودون إيقاف الجمل ، وهذا أمر بالغ الصعوبة وبخاصة عند ما يكون الجمل محملا بشبرية أو شقدوف ، إذ يتعين أن يحافظ الراكبان على التوازن بصورة مستمرة.
فى هذا اليوم وطدت معرفتى برفاقى فى القافلة ؛ وسبب ذلك أن القوافل الصغيرة تحتم أن يكون الجميع على ود مع بعضهم البعض. كان أفراد القافلة من أهل جزيرة الملايو ، أو بالأحرى حسبما يطلق الناس عليهم فى الشرق ، من جاوه ، ولكن يستثنى منهم تلك القلة القليلة التى من ساحل ملقا ، وكلهم من الرعايا البريطانيين ، ومواطنى سومطرة ، وجاوه ، وساحل ملبار. أهل الملايو ، يواظبون على الحج بصفة دائمة ، وغالبا ما يحضرون معهم زوجاتهم ، اللاتى كان ثلاثة منهن ضمن قافلتنا الصغيرة. كثير من هؤلاء الناس يبقون سنوات عدة فى مكة ، لدراسة القرآن والشريعة ،