فى الاتجاه شرق شمال شرق ، وعبرنا أرضا صخرية ، ثم دخلنا سهلا واسعا يسمونه الفريش ، حيث مرت علينا فى هذا المكان قافلتان صغيرتان قادمتان من المدينة (المنورة) قاصدتان ينبع ، وبعد مضى إحدى عشرة ساعة ونصف الساعة توقفنا لنيل قسط من الراحة.
سهل الفريش على حد قول المؤرخ العصمى ، كان مسرحا لمعركة دموية فاصلة بين شريف مكة وقبيلتى ظافر وعنيزة فى عام ١٠٣٦ ه. كانت قبيلة ظافر ، المستقرة حاليا فى بلاد الرافدين ، فى اتجاه بغداد ، كانت ترعى قطعانها فى المنطقة المجاورة للمدينة (المنورة).
اليوم السابع والعشرون من شهر يناير. الصخور فى هذه المنطقة كلها من الجرانيت الأحمر. ومرت علينا جماعة بدوية مكونة من نساء وأطفال ومعهم أيضا خيام ؛ هذه الجماعة البدوية تنتمى إلى قبيلة حرب ، فرع الحميدة ، وكانوا قد تركوا المنطقة العالية نظرا لعدم سقوط الأمطار ، وراحوا يبحثون عن مراع فى الجبال المنخفضة. وبينما كنا مخيمين هبت علينا عاصفة هوجاء ، فيها رعد وبرق ، وانهمر المطر على إثرها ، ولما كانت تلك العاصفة قد أنذرتنا بطول وقتها ، ونظرا أيضا لأننا لم تكن معنا خيام ، فقد وجدنا أن من الأفضل لنا مواصلة السير. استأنفنا مسيرنا بعد الظهر ، واستمر المطر فى السقوط طوال بقية اليوم والليل بكامله ، وتضافر ذلك مع المناخ البارد فى هذه المناطق المرتفعة ، الأمر الذى جعلنا جميعا نستشعر ذلك البرد القارس. مر طريقنا صاعدا عبر وديان صخرية عامرة بالأشجار الشوكية ، هذا الوادى عبرته سيول عدة سرعان ما تشرّبها ، الأمر الذى جعلنا نعانى بعض المصاعب فى عبور هذا الوادى. بعد مسير ست ساعات وصلنا قمة هذه السلسلة الجبلية ، وعند ما تبدى أمامنا السهل الشرقى الواسع ، مررنا بالعديد من التلال المنعزلة. الأرض هنا مغطاة بالصوان البنى والصوان أسود اللون. وبعد مرور تسع ساعات قطعنا مسافة فى الناحية الغربية من مزارع النخيل ، وحول المنازل القليلة المبنية والتى يسمونها بير على. وبعد مضى عشر ساعات ، وعند منتصف الليل ، وبعد أن صفت السماء ، وبعد أن زال الصقيع والمطر ، وصلنا أمام بوابة المدينة (المنورة). كانت البوابة مغلقة ، وتعين