لا تشكل الصخور المختلطة المكونة من الجرانيت والحجر الجيرى أية طبقات منتظمة. مررنا بعد ذلك عبر منحدر قصير ، وبعد مضى ساعتين ونصف الساعة ، دخلنا سهلا صغيرا يطلقون عليه اسم شعب الحال ، ويقع بين الجبال ، التى كان فيها مخيمات بدوية عدة. وبعد مضى خمس ساعات ، دخلنا واديا واسعا ، يمتد على شكل خط مستقيم ، ويغطيه الرمل الأبيض. كان الليل باردا ، وكان القمر ساطعا سطوعا جميلا ، وهنا تقدمت للسير فى مقدمة القافلة ، التى كانت بطيئة الخطى ، وسرعان ما وجدتنى أتقدم دون أن أستشعر ذلك التقدم ، إلى أن وجدت نفسى على بعد مسافة كبيرة من القافلة ، وعند ما وجدت أن القافلة لم تظهر بعد ، جلست أرضا تحت شجرة من الأشجار ، وكنت على وشك شب النار ، عند ما بدأت تتناهى إلىّ أصوات أقدام الخيول المقبلة علىّ. ظللت مختبئا خلف الشجرة ، وسرعان ما رأيت بعض البدو يمرون علىّ ومظهرهم يوحى بكثير من الشك. بعد أن انتظرت القافلة فترة طويلة ، ومع عجزى عن تعليل تأخرها ، تراجعت قليلا ووجدت الإبل واقفة تنال قسطا من الراحة ، ووجدت كل من كانوا على ظهور هذه الإبل نيام على الأرض ، أما المسافرون سيرا على الأقدام فكانوا لم يصلوا بعد إلى المحطة. حدث ذلك لنا مرات عدة طوال الرحلة. ذلك أن الجمل لم يسمع أصوات من حوله ، وإذا لم يستحثه الجمال ، فإنه يبطئ الخطى ، ثم يتوقف فى النهاية طلبا للراحة ، وإذا ما توقف الجمل القائد فجأة ، فعلت بقية الإبل الشىء نفسه. أيقظت العرب وواصلنا المسير. فى اليوم التالى ، علمنا أن بعض المسافرين جرى سلبهم ونهبهم على الطريق فى تلك الليلة ـ وكانت هذه الأخبار من أولئك الخيالة الذين مروا بى ، والذين تفرقوا عند ما شاهدوا قافلة كبيرة قادمة.
الناس يسمون الوادى الذى كنا نسير فيه باسم وادى الشهداء ؛ إذ يقال إن عددا كبيرا من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم سقطوا قتلى فى المعارك ؛ رفات هؤلاء الشهداء مغطى بأكوام من الحجارة فى أجزاء مختلفة من الوادى. كما نشاهد هنا أيضا مقابر عدة لبعض الحجاج ، كما لاحظت أيضا بعض الجدران المتهدمة ، التى تدل على مسجد قديم ، المكان هنا ليس فيه ماء. هذه محطة من محطات قافلة الحج. بعد مضى تسع ساعات خرجنا من هذا الوادى ، الذى يقع على مطلع هين لين ، ثم اتجهنا بعد ذلك