فى العودة إلى المنزل لترتيب أمورى المنزلية. ساعدنى المزوّر فى شراء بعض المؤن والتموينات ، التى لم نحصل عليها بسهولة ؛ كان طوسون باشا ، حاكم المدينة (المنورة) قد قام بطرد البدو والجمّالة الذين اعتادوا نقل المؤن والتموينات. هذا يعنى أن الدقيق والزبد ، هاتان السلعتان الضروريتان فى كل مطبخ من المطابخ الشرقية ، كان لا بد من شرائهما قبل غروب الشمس ، على الرغم من عدم وجود هاتين السلعتين فى السوق العامة ، لكنى لم أستطع الحصول على الفحم النباتى إلا بعد ثلاثة أيام ، وبخاصة أن أهمية الفحم ظهرت واضحة جلية وأحسها الجميع خلال هذا الفصل البارد من العام. وعند ما بلغنى أن يحيى أفندى ، طبيب طوسون باشا ، هو الشخص نفسه الذى سبق أن أخذ فى شهر يوليو الماضى كمبيالتى المالية فى جدة ، كان موجودا فى المدينة (المنورة) ، سارعت إلى زيارته فى اليوم التالى ، وأطلعته على رسالة تسلمتها فى مكة ـ قبل مغادرتى إياها إلى المدينة المنورة ـ من البنك الذى أتعامل معه فى القاهرة ، تفيد سداد مبلغ الكمبيالة ، التى لم تصل أية أخبار عنها إلى يحيى أفندى نفسه. كانت معرفتى بيحيى أفندى مفيدة لى تماما فى تلك المناسبة ، فقد أفادتنى فيما أنا فيه حاليا. فى الزيارة التى زارنى إياها عقب زيارتى له مباشرة ، ألقى الرجل نظرة على مجموعة الأدوية الصغيرة التى كانت فى حوزتى ، وهى الأدوية نفسها التى حملتها معى فى رحلتى فى بلاد النوبة ، والتى لم أستخدم أى شىء منها خلال هذه الرحلة ، وأنا لم أستعمل من هذه سوى بعض المطهرات عند ما كنت فى جدة ومكة ؛ هذا يعنى أنى كان معى نصف رطل من لحاء الشجر ضمن أدويتى. فى ذلك الوقت كان هناك عدد كبير من رجال الباشا مصابين بالحمى ، يضاف إلى ذلك أن طوسون باشا نفسه كان بحال صحى لا يحسد عليه ، ولم يكن لدى طبيبه أدوية تكفى سوى عدد قليل جدا من هذه الحالات. رجانى الطبيب أن يأخذ اللحاء ، الذى أعطيته إياه لأنى كنت فى صحة جيدة ، واعتقدت أنى قريب جدا من القاهرة (مصر) التى كنت آمل الوصول إليها فى غضون شهرين. أنا حقيقة مدين ليحيى أفندى ببعض الأشياء الأخرى ، وكنت سعيدا لأنى استطعت التعبير له عن شكرى وامتنانى. بعد يومين ندمت على مسألة الكرم هذه ؛ لأن الحمى داهمتنى ، سرعان ما تحولت بعد ذلك إلى شىء خطير ، ونظرا لأن هذه الحمى كانت متقطعة ، فقد تمنيت لو أنى تعاطيت دواء اللحاء ، لكنى