فخطر بقلبى أنه ما دخل العام البادية أحد ، أشد تجرّدا منى ، فجذبنى إنسان من ورائى ، وقال : يا حجّام! كم تحدّث نفسك بالأباطيل!.
وقال : الذى عليه أهل الحقائق فى وحدانيته ، أن الله تعالى غير مفقود ، ولا ذو غاية فيدرك ، فمن أدرك موجودا معلوما ، فهو بالموجود معروف ، والموجود عندنا معرفة حال ، وكشف علم بلا حال ، لأن الحق بان بصفة الوحدانية التى هى نعته فى ذاته (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١].
وقال : من أراد الله بهذا الأمر الذى هو رهبانية الرهبانيين ، وأحوال الحواريين ، فليصدق الله فيه ، وإلا فليرجع إلى ظاهر العلم ورعايته ، فيأخذ به ويعطى ، ويعمّ ويخص ، لا والله ، أو تنقطع أوصاله ، وتحرق أنفاسه.
وسئل عن المعرفة فقال : أن تعرف الله تعالى بكمال الرّبوبية ، وتعرف نفسك بالعبودية ، وتعلم أن الله تعالى أوّل كل شىء ، وبه يقوم كل شىء ، وإليه يصير كل شىء ، وعليه رزق كل شىء. وقال : ملاك القلب فى التّبرىّ من الحول والقوة.
ومات بمكة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، رحمة الله عليه ورضوانه.
٢١٢٤ ـ على بن الحسن البلخىّ الزاهد ، برهان الدين أبو الحسن الحنفى :
إمام الحنفية بالمسجد الحرام. ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق فقال : تفقّه بما وراء النهر ، على البرهان بن مازة ببخارى ، وعلى جماعة من الأئمة ، وسمع الحديث بما وراء النهر وبغداد ومكة ، وقدم دمشق فى سنة تسع عشرة وخمسمائة ، فنزل المدرسة الصّادرية بباب البريد ، ومدرسها يومئذ أبو علىّ بن مكى الكاسانى ، فعقد له مجلس المناظرة ، وجلس للوعظ ، وكان عنده صدق ، فوقع له القبول فى قلوب الناس ، فحسده الكاسانى ، وتعصّب عليه الحنابلة ، لأنه أظهر خلافهم ، فتغيّرت نفسه عن المقام بدمشق ، فمضى إلى مكة وجاور بها ، وكان إمام الحنفية فى المسجد الحرام ، ثم ندم الكاسانىّ على خروجه من دمشق ، وكاتبه فى العود إليها ، فخرج من مكة وجعل طريقه على بغداد ، ووصل دمشق ، فوصل الكاسانى المدرسة الصّادرية عن تراض منه.
__________________
٢١٢٤ ـ انظر ترجمته فى : (الروضتين ١ / ٩١ ، دول الإسلام ٢ / ٦٤ ، العبر ٤ / ١٣١ ، عيون التواريخ ـ خ ـ ١٢ / ٤٧٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٢٨٨ ، طبقات الفقهاء لطائى كبرى ٩٤ ، كتائب أعلام الأخبار رقم ٣٤٥ ، مختصر تنبيه الطالب ٨٠ ، ٨٧ ، ٩٤ ، ٩٥ ، شذرات الذهب ٤ / ١٤٨ ، الفوائد البهية ١٢٠ ، ١٢١ ، سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢٧٦).