جلست إلى جانبى ، وأقبلتّ علىّ تحدّثنى ، وسألتنى عن حالى ، وأنا والله منها فى غمرات شديدة ، وقد زال عقلى حين شاهدت جمال صورتها ، فلما مضى لى معها ساعة ، قالت : يا عمر ، من الذى يقول (١٠) :
وناهدة الثديين قلت لها اتّكى |
|
على الرّمل من جبّانة لم توسّد |
فقالت على اسم الله سمعا وطاعة |
|
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد |
فلمّا دنا الإصباح قالت فضحتنى |
|
فقم غير مطرود وإن شئت فازدد |
فزّودت منها واتّشحت بمرطها |
|
وقلت لعينىّ اسكبا الدّمع فى غد |
وقامت تعفّى بالرداء مكانها |
|
وتطلب شيئا من جمان مبدّد |
فقلت لها : أنا قائل ذاك ، فداك أبى وأمى ، قالت : يا عمر ، من كانت هذه الناهدة الثديين ، التى كانت هذه حالها معك؟ قلت لها : أطال الله بقاءك ، ما كان هذا منّى من قصد ولا عمد ، ولا قلته فى امرأة بعينها ، غير أنى أحبّ الغزل ، وأقول الشعر ، والتّشبّب بالنساء ، فقالت : أنت كذاب على الحرائر ، فاضح للنساء ، وقد فشا شعرك فى الحجاز والعراق والشام ، ولم يكن فى امرأة بعينها! يا وصائف ، أخرجن هذا الكذاب الفضاح للنساء الحرائر ، فعصبن عينى ، ودفعننى إلى العجوز ، فقادتنى إلى مضربى ، ثم قالت : يا أبا الخطاب ، لا تيأس ، فبتّ ليلتى قلقا لم أذق مناما ، فلما كان الغد ، دخل علىّ الحاجب ، وقال : إن العجوز التى كانت أمس بالباب قد جاءت ، فقلت : ائذن لها ، فدخلت وسلمت وقالت : هل لك أن تراها ثانية؟ قلت : نعم. قالت : أأنت ناظر إليها على الشرط المتقدم ، قلت : نعم. فأخرجت المصحف واستحلفتنى ، وعصبت عينىّ ، وقادتنى إلى مضربها ، فأخذنى منها الوصائف ، وحللن العصابة عن عينى ، وإذا أنا فى مضرب من الديباج الأسود ، منقوش بالذهب ، مفروش بالحرير ، وإذا فيه جوار كالظباء ، فجلست على السرير ، وإذا هى قد طلعت علىّ كالبدر بتمامه ، فسلّمت علىّ وصافحتنى ، فوجدت برد كبدها فى يدى ، ثم جلست إلى جانبى ، وسألتنى عن خبرى ، وكيف كان بيتى فى ليلتى ، وحادثتنى ساعة ، فما رأيت أطيب من حديثها ، ثم قالت لى فى غضون ذلك : يا أبا الخطاب ، من الذى يقول [من الرمل] :
بينما ينعتننى أبصرننى |
|
دون قيد الميل يعدو بى الأغرّ |
قالت الكبرى أتعرفن الفتى |
|
قالت الوسطى نعم هذا عمر |
قالت الصغرى وقد تيّمتها |
|
قد عرفناه فهل يخفى القمر |
__________________
(١٠) انظر الأبيات : (فى الأغانى ١ / ٧٨ ، ديوان عمر ١١٣).