من مصر ، وأمر الشريف أبا سعد صاحب ينبع ، والشريف شيحة أمير المدينة ، أن يكونا مع عسكره ، ففعلا.
فلما وصل العسكر إلى مكة ، قاتلوا راجحا وابن عبدان ، فقتل ابن عبدان ، وانكسر أهل مكة ، واستولى عليها طغتكين ، وأظهر حقده فى أهلها.
فلما كانت سنة إحدى وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين ، عسكرا جرارا وخزانة عظيمة ، إلى راجح بن قتادة ، فنهض راجح بمن معه من العسكر المنصورى ، وأخرجوا من بمكة من عسكر صاحب مصر.
فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين بخزانة كبيرة ، إلى راجح بن قتادة ، على يد ابن النصيرى ، وأمره باستخدام الجند ، ليمنعوا العسكر المصرى الواصل إلى مكة من دخولها ، فوصل ابن النصيرى إلى راجح ، فى وقت لم يمكنه فيه استخدام من يقوى به على مقاومة العسكر المصرى ، وكان العسكر المصرى خمسمائة فارس ، فيه خمسة من الأمراء ، مقدمهم الأمير جفريل ، ففر راجح وابن النصيرى إلى اليمن.
فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين عسكرا ، مقدمه الشهاب ابن عبدان ، ومعه خزانة إلى راجح ، ليستخدم بها عسكرا ، ففعل. فلما صاروا قريبا من مكة ، جهز إليهم العسكر المصرى ، فالتقوا بمكان يقال له الخريقين ، بين مكة والسّرّين ، فانهزمت الأعراب ، وأسر ابن عبدان ، وبعث به جفريل إلى الديار المصرية مقيدا.
فلما كانت سنة خمس وثلاثين ، توجه السلطان نور الدين إلى مكة فى ألف فارس ، وأطلق لكل جندى يصل إليه من أهل مصر المقيمين بمكة ، ألف دينار وحصانا وكسوة ، فمال إليه كثير من الجند ، فأرسل إليه راجح بن قتادة ، فواجهه فى أثناء الطريق ، وحمل إلى راجح النقّارات والكؤوسات ، واستخدم من أصحابه ثلاثمائة فارس ، وسار راجح مسايرا للسلطان على الساحل ، ثم تقدم إلى مكة ، فلما تحقق جفريل وصول الملك المنصور ، أحرق ما كان معه من الأثقال ، وتقدم إلى الديار المصرية ، فبعث راجح إلى السلطان يخبره الخبر وهو بالسّرّين ، فبشره بذلك ، فقال له السلطان : من أين جئت؟ قال : من مكة ، قال : ومتى خرجت من مكة؟ قال : أمس العصر ، قال له : ما أمارة ذلك؟ قال : هذا كتاب من الشريف راجح ، فكثر تعجب السلطان من سرعة سيره ، وأمر السلطان الأمراء والمماليك ، أن يخلعوا عليه ما كان عليهم من الثياب ، فخلعوا عليه ما أثقله. وسار السلطان من فوره إلى مكة ، فدخلها معتمرا فى شهر رجب ، وتصدق فى مكة