فيما رواه من كتاب هارون بن عبد الملك الزيات ، قال : حدثنى أبو جعفر محمد بن عبد الواحد بن النصير بن القاسم ، مولى عبد الله بن على ، أن عيسى بن يزيد الجلودى ، أقام بمكة ـ وهى مستقيمة له ـ والمدينة ، حتى قدم هارون بن المسيب واليا على الحرمين ، فبدأ بمكة ، فصرف الجلودى عنها ، وحج وانصرف إلى المدينة ، فأقام سنة. انتهى.
وذكر الذهبى ، ما يقتضى أن عيسى بن يزيد الجلودى ، ولى مكة فى سنة مائتين ، بعد هزيمة العلويين منها ، وكانت هزيمتهم فى جمادى الآخرة من السنة المذكورة ، لأن فى الخبر الذى ذكره فى خبر العلويين بمكة فى هذه السنة ، بعد أن ذكر أن مجىء الديباجة إلى مكة ، وطلوعه المنبر مع الجلودى ، وإشهاده بخلع نفسه : ثم خرج به عيسى الجلودى إلى العراق ، واستخلف على مكة ابنه محمد بن عيسى. انتهى.
وذكر ابن حزم فى الجمهرة ، ما يدل لولاية الجلودى على مكة ، لأنه ذكر أن يزيد بن محمد بن حنظلة المخزومى ، استخلفه عيسى بن يزيد الجلودى على مكة ، فدخلها عنوة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ، وقتل يزيد بن محمد. انتهى.
والجلودى هذا ، حارب العقيلى الذى قدم من اليمن فى سنة مائتين ، لإقامة الحج فى هذه السنة ، وأعاد الجلودى ما كان أخذه العقيلى من كسوة الكعبة وأموال التجار ، وقد ذكره هذه الحادثة ابن الأثير ، لأنه قال فى أخبار سنة مائتين من الهجرة : ذكر ما فعله إبراهيم بن موسى وفى هذه السنة ، وجّه إبراهيم بن موسى جعفر ، من اليمن ، رجلا من ولد عقيل بن أبى طالب فى جند للحج بالناس ، فسار العقيلى حتى أتى بستان ابن عامر ، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم ، قد حج فى جماعة من القواد ، فيهم حمدويه بن على بن موسى بن ماهان ، وقد استعمل الحسن بن سهل على اليمن ، فعلم العقيلى أنه لا يقوى بهم ، فأقام ببستان ابن عامر ، فاجتاز قافلة من الحاج ، ومعهم كسوة الكعبة وطيبها ، فأخذوا كسوة الكعبة وطيبها ، وقدم الحاج مكة عراة منهوبين ، فاستشار المعتصم أصحابه ، فقال الجلودى : أنا أكفيك ذلك ، فانتخب مائة رجل ، وسار بهم إلى العقيلى ، فصبّحهم فقاتلهم ، فانهزموا وأسر أكثرهم ، وأخذ كسوة الكعبة وأموال التجار ، إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك فرده ، وأخذ الأسرى ، فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط ، وأطلقهم ، فرجعوا إلى اليمن ، يستطعمون الناس ، فهلك أكثرهم فى الطريق. انتهى (١).
__________________
(١) على هامش الأصل : «نجز الجزء الثالث من كتاب العقد الثمين ، فى تاريخ البلد الأمين ، تأليف السيد الشريف الإمام العلامة الحافظ المؤرخ ، قاضى المسلمين ، أبى الطيب محمد تقى الدين بن الإمام العلامة أقضى القضاة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن على الحسنى ـ