عبد الواحد بن أبي عون الدّوسي وكان له حلف في قريش قال : كان الطّفيل بن عمرو](١) الدّوسي رجلا شريفا شعرا ملأ كثيرا ، كثير الضيافة ، فقدم مكة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، فقالوا : يا طفيل إنّك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد اتصل (٢) بنا ، وفرّق جماعتنا ، وشتّت أمرنا ، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه ، فلا تكلّمه ولا تسمع منه ، قال الطّفيل : فو الله ما زالوا بي حتى اجتمعت على أن لا أستمع منه شيئا ، ولا أكلّمه ، فغدوت إلى المسجد ، [وقد حشوت أذني كرسفا ، يعني قطنا ، فرقا من أن يبلغني شيء من قوله حتى كان يقال لي ذو القطنتين ، قال : فغدوت يوما إلى المسجد](٣) فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائما يصلي عند الكعبة ، فقمت قريبا منه ، فأبى الله إلّا أن يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاما حسنا ، فقلت في نفسي : واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، فمكث حتى انصرف إلى بيته ، ثم اتّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه ، فقلت : يا محمّد إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا لي ، فو الله ما تركوني يخوّفوني بأمرك حتى سددت أذني بكرسف لأن لا أسمع قولك ، ثم إنّ الله أبى إلّا أن يسمعنيه ، فسمعت قولا حسنا ، فأعرض عليّ أمرك ، فعرض عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإسلام ، وتلا عليه القرآن فقال : لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ، ولا أمرا أعدل منه ، فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، فقلت : يا نبي الله إنّي امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه ، فقال : «اللهم اجعل له آية» ، قال : فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية يطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح ، فقلت : اللهم في غير وجهي ، فإنّي أخشى أن يظنّوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق كتبهم (٤) ، فتحوّل النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور في سوطي (٥) كالقنديل المعلّق ، فدخل
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن طبقات ابن سعد.
(٢) كذا بالأصل ؛ وفي ابن سعد : أعضل بنا.
(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن طبقات ابن سعد.
(٤) ابن سعد : دينهم.
(٥) بالأصل : وسطي ، والمثبت عن ابن سعد.