اصبر لغاب فحما
فجاء حتى وقف عليه ، وهو متلفف في كساء فقال : لا أبا لك هل جاءك الملك ـ وقال أبو يعقوب : ذو النون ـ بشيء مما كنت تمنّينا؟ فقال : لا ، فارجع فقاتل ، ففعل حتى إذا ضرس الحرب ، فرجع إليه ، فقال : لا أبا لك جاءك؟ فقال : لا ، فارجع ، قال : لا أبا لك ، قال : فما تنتظر فقد والله بلغنا ، ثم كر فقاتل حتى إذا أيقن بالسر أتاه ، فقال : هل جاءك؟ قال : نعم ، قال : فما ذا قال لك؟ قال : قال : «إن لك رحا كرحاه ، وحديثا لا تنساه ، أو بعير وأوينهاه. فقال عيينة : أظنه ، والله سيكون لنا ولك حديث لا تنساه ، ثم نادى : يا آل فزارة ، يا آل ذبيان ، يا آل بغيض ، يا آل غطفان ، فتركوا مما مصافهم وأقبلوا إليه ، وأحلوا بني أسد بالمسلمين ، فقالوا : ما ذا قال الرجل والله كذاب خذوا مهلكم وانصرفوا ، فانصرفوا منهزمين ، وتركبهم المسلمين ، ولم يثبت للمسلمين أحد إلّا بنو نصر بن قعبن ، فصاروا ردأ للمشركين ، ولو لا ذلك أفنوهم ، وما زالت بنو نصر تقاتل تحوّزهم المسلمون حتى انتهوا إلى طليحة ، فأحاطوا به ، وقالوا : إنما أمرت ، قال : أمرت أن أصنع رحا كرحاهم ، أو يفر حتى لا يراهم. فقال أبو سماك : بل نفر حتى لا نراهم. فقالوا : فما ترى وما ذا تصنع؟ فقال : من استطاع منكم أن يفعل لما أفعل فليفعل ، ثم جال في متن فرسه وحمل امرأته النوار على بعير ثم وجهه نحو الحوشية حتى قدم الشام ، وقد كان طليحة جعل بين العيان والعسكر مسيرة أيام ، وقال : احزروا عيالاتكم ولا تغزروا بهم ، ولا تجعلوا عدوكم بالخيار عليكم ، فإن كانت لكم فما أقربكم ، وإن كانت عليكم كانت أعراضكم وافرة ، فلم يصب لأسدي ولا بغطفاني ولا لأحد من لفهم حرمة في البزاحة إلّا الدماء ، وقال طليحة في مهربه ومرّ على امرأة من بني أسد فنظرت إليه تسقي على عجل ، فضحكت وهربت من روعته فقال :
اما تريني سافيا عجالا |
|
أسفي مخاطبا وردت نهالا |
فقد أكرّ الذكر الطوالا |
|
على الرجال يطرد الرجالا |
وقد أصبحت الغارة الريالا |
|
حتى رجعنا ناعمين بالا |
وقد تولّوا كاسفين حالا |
أخبرنا أبو القاسم الواسطي ، أنا أبو بكر الخطيّب ، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن عثمان السّواق ، أنا إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي ، أنا أحمد بن