الدولة يحضره السلطان ، وحشد الأمراء الأتراك بكامل عدهم فما تأخر نفر منهم ، وأخذ قاضي القضاة الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينادي عليهم بالبيع واحدا واحدا ، ويغالي في ثمنهم لأنهم أمراء .. ولأنهم ملوك الأرض .. وغالى أكثر ما غالى في ثمن نائب السلطنة ، ودفع السلطان إلى الشيخ كل ما اشترط من مال ، فوزعه على وجوه الخير ومصالح المسلمين ، ثم أعتق الأمراء الأرقاء ، ومنحهم حق الحرية في التصرف والبيع والشراء (١).
اعتنى الظاهر بيبرس (٢) ـ كما قدمنا ـ بأمر الأزهر فأعاد إليه خطبة الجمعة في الثامن عشر من ربيع الأول سنة ٦٦٥ ه وشجع العلم فيه وحذا حذوه كثير من الأمراء فزاد الأمير بيبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الشافعي. ورتب فيها محدثا ، وسبعة لقراءة القرآن ، ووقف على ذلك الأوقاف الدارة. وفي سنة ٧٦١ ه أحب الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري عندما سكن بجوار الأزهر أن يؤثر فيه أثرا صالحا فأنشأ فيه مما أسداه إليه درسا لفقه الحنفية يلقى في المحراب الكبير ، ووقف على هذا الدرس أوقافا كثيرة.
على هذا النحو سار الأزهر في عناية المماليك (٢) ، غير أنا نلاحظ أن الجامع الحاكمي أخذ ينافس الأزهر بعد أن أصلح من زلزال ٧٠٢ ه ، فلقد جاء الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فأنشأ بالجامع الحاكمي دروسا أربعة لأقراء الفقه على مذهب الأئمة الأربعة ، ودرسا لاقراء الحديث النبوي ، وجعل لكل درس مدرسا وعدة كثيرة من الطلبة ، فرتب في تدريس الشافعية قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي ، وفي تدريس الحنفية قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي الحنفي ،
__________________
(١) المصري ١٤ / ٩ / ١٩٥٤ م ـ الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف
(٢) الأزهر ـ مجلة المقتطف ـ الشيخ منصور رجب.