المحتلين لتفوقهم في معدات القتال ، وفرضوا على السكان غرامة مقدارها عشرة ملايين من الفرنكات ، ولجأوا الى أحط وسائل العسف والقسوة في تحصيلها ، ونقموا على زعيم الحركة ، فأمروا بنفيه الى مدينة دمياط.
جلت الحملة الفرنسية وعادت مصر إلى حكم العثمانيين ، وفي خلال السنوات الخمس المتعاقبة تولى الحكم خمسة من الولاة ، قتل منهم اثنان وطرد الباقون بعد أن سجنوا في القلعة .. كان آخر هؤلاء الولاة أحمد خورشيد ، وكان رجلا ضيق الأفق ، من بقايا الارستقراطية العثمانية ، يدعى السيادة على كل شيء ، ولكن دولته كانت تخذله فلا تمده بالمال والرجال .. كان في موقف حرج ، فخزائنه خاوية من المال لدفع مرتبات الجند ، والمماليك يغيرون على القرى ويتولون تحصيل الضرائب والاستيلاء عليها ، وطبقات الشعب متذمرة من الكلف الفادحة المفروضة عليهم. فاحشدت في الأزهر جموع من التجار والصناع وطلبة العلم وجاهروا بالتمرد والعصيان ، ثم أغلقوا المتاجر والمصانع والمنازل ، حتى بدت القاهرة كمدينة مهجورة.
وانتهز محمد على أحد قواد الفرقة الألبانية غير النظامية فرصة تذمر طبقات الشعب ، فصار يتودد إلى مكرم بوصفه زعيم الشعب ، ويزوره سرا في الليل ويستميله بشتى الوعود ، ويقسم له الإيمان الكاذبة بأنهم أن مكنوه من الحكم ، فإنه يسير حسب نصوص الشرع ، والإقلاع عن المظالم ، ولا يبرم امرا إلا بمشورة العلماء ، وانه إذا خالف هذه الشروط عزلوه ، وأخرجوه من الحكم.
وصدق عمر مكرم هذه الوعود ، وأخذ على عاتقه إقناع العلماء بمشاركته فكرته ، وأذاع نداء على الشعب بالاجتماع امام المحكمة الشرعية. فلما كان اليوم التالي خرج الأفراد والجماعات من دورهم ومصانعهم ومتاجرهم ، وأقبل المزارعون من الضواحي حتى احتشدت بهم الطرق والمسالك المؤدية إلى المحكمة ، وكانوا جميعا يهتفون بقولهم : «يا رب يا متجلي أهلك العثمانلى» ، وهم يقصدون طبعا الوالي العثماني ، ثم