ثم وفدت بعد عامين حملة عسكرية بريطانية لاحتلال مصر وتمكنت من أن تسيطر على مدينة الاسكندرية دون مقاومة تذكر ، بتأثير خيانة الضباط العثمانيين في المدينة ، ثم سارت الحملة إلى رشيد ، فقاومها أهل رشيد في بسالة وبطولة وتمكنوا من قهرها وحملت رؤوس القتلى على أسنة الرماح إلى القاهرة وعلقت بأبوابها ، وسيق الأسرى من الضباط والجنود الإنجليز وطيف بهم في شوارع العاصمة.
وشرع مكرم في حفز همم سكان القاهرة لمقاومة المعتدين إذا ما حاولوا اقتحام العاصمة ، فجمع الجموع وحصن المداخل وأقام المتاريس في الشوارع ، وكون فرقا نظامية سلحها بالأسلحة الخفيفة ، وكان محمد علي في غضون ذلك في آرباض اسيوط يقاتل المماليك ، فلما وفد على القاهرة وأفضى إليه مكرم بما اعتزمه الشعب من الكفاح والنضال لرد غارة المعتدين ، صدمه محمد علي في عواطفه بأن قال له : عليكم بالمال وبمعدات الحرب وعلى أنا وحدي مقاتلة المغيرين.
كان الوالي الجديد لا يفتأ يلجأ الى مكرم لأنه يدرك قوة زعامته الشعبية في نفوس العلماء وقادة الرأي وجميع الطبقات ، ولكن لما استولى على مقاليد الأمور أخذ يقلب له ظهر المجنّ ، ويقصيه عن الاشتراك في المسائل العليا للدولة وفي مهمة الدفاع عن الوطن.
وكان الوالي كلما أعوزته الحاجة إلى المال ، مال إلى أموال الأوقاف ، فاغتصب منها ما هو في حاجة إليه ، فضج العلماء بالشكوى لأن هذه الأموال مرصودة على تعمير بيوت الله وإنفاقها في وجوه البر ، وكان ان اجتمع عمر مكرم بالمشايخ ورجال الدين ، واحتجوا على مسلك الوالي احتجاجا مرا فكان جوابه :
ـ أنا وحدي الذي ينتفع بالضريبة ، وأما أنتم فتبهظون كاهل الأمة بأثقل الأعباء ، إنكم تعقدون الاجتماعات في المساجد ، وتتكلمون عني بلهجة تكاد تكون لهجة الآمر ، وهذه نزعة باطلة لا يمكن قبولها بغير