من أرستقراطية رجال الدين ، التي تمتاز ببسطة في الرزق والجاه ، وتحول طلابه إلى ميدان الصراع المادي في سبيل العيش ، والسعي وراء الوظائف ومنازعة أضرابهم من المعاهد الأخرى في الفوز بها. وقد أحدثت هذه الأرستقراطية الاجتماعية ، وهذه النزعة في الإقبال على الدنيا ، أثرا لا يحمد في جو الأزهر العلمي ، وذهبت بكثير من خواصه الروحية القديمة.
ومن جهة أخرى فإن الأزهر الحديث على الرغم من اتسامه بسمة الجامعات العصرية ، لا يزال بعيدا عن أن يجاري روح العصر فعلا في تنظيم مناهجه وأساليبه العلمية. فهو لا يزال يعيش على تراث الأزهر القديم ، ولا يزال مرجع الدراسة بالكليات الأزهرية الحديثة في علوم الدين واللغة طائفة من الكتب القديمة التي يعرفها الأزهر منذ العصور الوسطى ، فالشاطبية ، والهداية ، والسنوسية ، والصبان ، وألفية بن مالك ، وشرحها لابن عقيل ، ومختصر السعد وحواشيه ، وكتب ابن حجر ، والبلقيني ، والسيوطي ، والبرماوي ، والزماوي ، والزيلعي ، وغيرها ، تدرس في الكليات للطلبة النظاميين ، وبعض هذه الكتب يرجع إلى القرن السادس الهجري كالشاطبية ، أو السابع مثل مختصر ابن الحاجب ، وألفية ابن مالك ، أو الثامن كشرح ابن عقيل ومختصر السعد ، ومع أن هذه المصنفات القديمة لا تزال تحتفظ بقيمتها العلمية ، فهي لا تصلح سواء بمادتها أو طرائقها العتيقة لعقلية الطالب الحديث. ولم يزود طلبة الجامعة الأزهرية حتى اليوم من الكتب والمذكرات الدراسية الحديثة إلا بقدر ضئيل جدا في بعض المواد المستحدثة : مثل التاريخ الإسلامي ، والسيرة النبوية ، وتاريخ التشريع ، وتفسير بعض آيات الأحكام ، وكذا بعض كتب البلاغة والأدب والنحو والصرف ، وسيمضي وقت طويل قبل أن يستطيع المشرفون على الدراسة بالجامعة الأزهرية أن يضعوا من الشروح والتآليف المنظمة الحديثة ما يسد حاجة الطلاب.
وقد فقد الأزهر كثيرا من مزايا الدراسة الحقة بإلغاء الحلقات الدراسية الشهيرة ، التي لبئت قرونا تزين أروقته وساحاته ، فقضى عليها