النظام الجديد ، ولم تبق منها إلا آثار ضئيلة ، تتمثل في إلقاء بعض الدروس العادية في علوم الدين أو اللغة بالجامع الأزهر وبعض المساجد الأخرى التي توجد بها المعاهد الدينية ، وتقرأ فيها الكتب القديمة ، ويشهدها الطلاب غير النظاميين ، ولا سيما الغرباء وبعض أفراد الجمهور ، وتعرف في ظل النظام الجديد بالأقسام العامة.
والواقع أن الحلقات القديمة لم تكن إلا المدرج الجامعي الحديث ، وقد كانت تتفوق بلا ريب في عناصرها الجامعية على فصول الكليات الأزهرية ، وكان خيرا لو أصلحت ونظمت على غرر الدراسات الجامعية العليا ، التي يتولاها أعلام الأساتذة قد كان في استبقائها على هذا النحو تخليدا لذكرى الحلقات الأزهرية التاريخية التي كانت أيام ازدهارها من محاسن الدهر وآلاء الأزهر ، وكانت في كثير من الأحيان مجمع الصفوة من الأساتذة والمستمعين.
ولقد اضطرم الصراع مدى حين بين الثقافتين القديمة والمحدثة ، وقد أحرز الجديد نصره النهائي على تراث القديم وأساليبه ، وتبوأت الثقافة المحدثة في مصر المكان الأول ، وهي تؤكد هذا الظفر كل يوم بما تخرجه من جندها المستنير الطموح إلى الحياة العصرية ، بكل ما أوتي من المزايا المعنوية والمادية. على أن ذلك لا يعني أن مهمة الأزهر قد انتهت ، أو انها يجب أن تنتهي ، بل بالعكس من ذلك أن للأزهر مهمة جليلة ، يستطيع الاضطلاع بها إذا وفق إلى الوسائل والأساليب الصالحة لتأديتها. تلك المهمة هي العمل على دعم رسالة الإسلام ، ورسالة اللغة العربية والحضارة الإسلامية ، بأساليب مستنيرة .. وقد كان الأزهر معقلا من معاقل هذه الرسالة طوال العصور الوسطى ، والعصر التركي ، وفي وسعه أن يكون معقلها اليوم (١)
__________________
(١) الأستاذ عبد الله عنان في تاريخ الأزهر.