والظاهر أن نظام مشيخة الجامع الأزهر يمت بصلة إلى هذا المنهج في نظام الوظائف الدينية الرئيسية. وقد يرجع التفكير فيه وفي قيامة إلى منتصف القرن العاشر الهجري. ذلك أن ولاة الأمر العثمانيين كانوا يعلقون على الوظائف الدينية أهمية خاصة ، وكان الجامع الأزهر يحتل يومئذ بين المساجد والمعاهد الإسلامية مركز الصدارة ، ويزخر دائما بجمهرة كبيرة من العلماء المصريين وإخوانهم من سائر أنحاء العالم الإسلامي ، هم صفوة الأئمة والأساتذة في ذلك العصر ، ومن المعقول أن تكون رياسة الجامع الأزهر ذات أهمية خاصة في نظر ولاة الأمور. وإذا كان الجبرتي لم يذكر شيخا للأزهر قبل الشيخ الخرشي المتوفى سنة ١١٠١ ه ، فإنه من جهة أخرى لم يقل بصفة قاطعة انه كان أول من ولي المشيخة. ومع أنه لم يعثر كذلك فيما أتيح من المراجع على نصوص قاطعة تلقى ضوءا واضحا على أصل مشيخة الأزهر والوقت الذي بدأ فيه تطبيق هذا النظام. فإنه توجد مع ذلك قرائن عديدة ، تدل على أنه يرجع إلى ما قبل أواخر القرن الحادي عشر بكثير.
من ذلك ما رواه صاحب كتاب «ذخيرة الأعلام» (١) في حديثه عن واقعة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي مع داود باشا الذي تولى ولاية مصر سنة ٩٤٥ ه (١٥٣٨ م) ، فقد ذكر أنه حدث في شهر شعبان سنة ٩٥٠ ه أن الشيخ ابن عبد الحق قال يوما لداود باشا وهو في موكبه : أنه رقيق لا يجوز له أن يتولى الأحكام ، وأن أحكامه باطلة ما لم يحصل على عتقه .. ثم يقول في قصيدته التي يروي فيها تفاصيل هذه الواقعة :
__________________
(١) هو كتاب «ذخيرة الأعلام. بتواريخ الخلفاء العلماء ، وأمراء مصر الحكام ، وقضاة قضائها في الأحكام» ـ لمؤلفه الشيخ أحمد بن سعد الدين العثماني العمري من علماء أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، وهو مكتوب كله بالنظم (مخطوط بدار الكتب رقم ١٠٤ تاريخ).