العبء الملقى على عاتق الأزهر ليس هين الحمل ، فإنه في حاجة إلى العون الصادق من كل من يقدر على العون : إما بالمال أو العقل ، أو بالمعارف والتجارب ، وكل شيء يبذل في طريق تحقيق هذه الآمال هين ، إذا أتت الجهود بهذه الثمرات الطيبة المباركة ..
ولقد ولد الشيخ مصطفى المراغى في اليوم التاسع من شهر مارس سنة ١٨٨١ في المراغة من أعمال مديرية جرجا بمصر العليا وحفظ القرآن الكريم بمكتب القرية وتلقى على أبيه بعض العلوم ثم التحق بالأزهر ، واتصل بالأستاذ الإمام محمد عبده فثقف نفسه عليه في دروس التفسير التي كان يلقيها بالرواق العباسي.
ونال شهادة العالمية عام ١٩٠٤ ، وكانت سنة إذ ذاك أربعا وعشرين سنة ، وكان بذلك من أصغر الحاصلين على هذه الشهادة يومذاك.
وكان تاريخ دخوله امتحان الشهادة العالمية هو ١٢ ربيع الثاني ١٣٢٢ ه ، وقد أعجب به الإمام محمد عبده إعجابا شديدا.
ولم يكن رحمه الله ، من العاكفين على تناول علوم الأزهر وحدها وإنما كان يضيف إليها ما يشعر به هو نحو العلم من احتياجات ، شأن الشبان الفائقين ، فلقد أخذ دراساته الشخصية ، من بطون الكتب ، ومن منابعها الأصلية في المخطوطات والهوامش والمتون .. كما كان عاكفا على دراسة الأدب ، ودراسة الفلسفة وعلم الكلام ، وما ذلك إلا استجابة منه للوقوف على روح الثقافة ، ولذلك فقد نشأ صاحب عقلية مرنة مبسوطة ، تمضي إلى الدقائق وما يخفي أمره على الكثيرين.
ولا جرم بعد ذلك أن يشيع اسمه بين الطلبة الذين أقبلوا حول حلقته بالجامع الأزهر ، وهو يلقي عليهم الدروس بعد تخرجه ، بطريقة جديدة ، كان هدفها البحث عن الحقيقة ، ووسيلتها التعريج بعقلية السامع إلى فنون الأدب وأشتات الفلسفة وأمشاج الكلام.
ورشح بعد لمنصب كبير ، هو منصب القضاء لمديرية دنقلة في