ما يمثل مطالب روحهم في مكان آخر ، أو ـ وهو الأرجح ـ اندفعوا في تيار الفلسفة المادية لا يلوون على شيء ، على مثال غيرهم من الأمم الأخرى. إن الشيخ المراغى كان يجيد فهم هذه الناحية من نفسية المعاصرين ، وكان يعمل في سبيل الوصول إلى ما أشرنا إليه في تؤدة ورفق ، صابرا على ما يحتوش هذه التؤدة ، مما يخيل أنها الوقوف بل القهقري بل الانحلال الذريع ، والحقيقة كانت غير ذلك لمن يتأملها تحت ضوء النظر البعيد ، والتفكير العميق في مستقبل العقيدة الإسلامية.
كان المراغى يعلم أن العالم المتمدن اليوم انتهى إلى حد من عقائده ، أملته عليه فلسفة بوخنر وهايكل ومولخوت الخ ، وان العالم الإسلامي يترسم خطواته شبرا بشبر ، مدفوعا بطبيعة الدراسات العلمية التي لا بد له منها ، وكان يعلم أن الأزهر في حالته التي هو عليها لا يصلح أن يقف حائلا دون هذا التطور ، وإنه لا بد له من انقلاب ذريع يطرأ عليه ليصبح جديرا بالمهمة التي أرادها مؤسسوه منه في كل عهد فماذا يفعل؟ وليس بين يديه ممن يحسون بهذا الخطر سوى عدد نزر ، لا يكفون لإحداث انتقال خطير ، يتأدى به إلى غرضه بالسرعة المرجوة؟
اضطر لأن يسير وئيدا ، والسير الوئيد في مثل هذا العهد جريمة. فماذا يفعل والأحوال حوله تجري في تيار معاكس؟ وكثيرا ما رأى أن الأولى به التخلي عن وظيفته ، لو لا أن الشعب كان يرى أن ليس لهذه المهمة العالمية غيره فيتمسك به.