قوية ، وقد ظللت أقوم على رياسة قسم التخصص وأنا في منصب الإفتاء مدة طويلة ، أشرفت فيها على تخريج مئات العلماء الأقوياء الذين يحملون الآن على عواتقهم أهم أعباء الأزهر ، وكنت أشترك معه في كثير من اللجان العلمية : كلجنة الأحوال الشخصية ولجنة مناقشة الرسائل العلمية التي كان يتقدم بها طلاب شهادة العالمية من درجة أستاذ ، وقد كانت هذه اللجنة تعقد أحيانا في الرواق العباسي ، ويشهدها ـ والمناقشات العلمية على أتم ما تكون قوة ودقة ـ علماء الأزهر وطلابه والراغبون في العلم والبحث من غير الأزهريين .. وكما كان يتجلى في هذه المناقشات الحرة ذكاء الشيخ المراغى وعلمه وقوة تفكيره وإخلاصه للفكرة العلمية وحرصه على تبين الحق ، وضرب المثل لأبناء الأزهر في تقبله والنزول على حكمه.
وكتب الأستاذ محمد فريد وجدي بمناسبة وفاته يقول : رزئت أسرة العلم في العالم الإسلامي كله بوفاة عميدها ، غير مدافع ، الشيخ مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر ، فلا نقول : كان لها أثر بالغ في النفوس ، ولكننا نقول : إنها كانت كارثة على الجهود النبيلة التي يبذلها العارفون بأمور الأزهر ، ويعملون على إحلاله المكانة التي تناسب عظمة الاسلام ، وتمثله على حقيقته في نظر العالم. نعم إن البذر الذي وضعه رحمه الله ، لينتج هذا الأثر الفخم ، بطيء النمو ، ولكنه هو الدواء الوحيد لداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. لسنا نعني بإصلاح الأزهر ترتيب الدروس في أوقاتها ، وتوزيع مقررات الدراسات عليها ، وتعيين المدرسين الأكفاء لتدريسها ، ومراعاة كفايتهم في تحديد مرتباتهم ، كل هذه الشؤون أعراض لا تمت إلى اللباب في شيء ، وإنما إصلاحه الصحيح ينحصر في أن يصبح جهة دينية يسندها العلم وتؤيدها الفلسفة ، بحيث يتفق ذلك وحقيقة الإسلام ومعناه ، ولا يدع في صدر مستشكل اعتراضا بأن الأزهر يمثل عهدا لا يمت إليه اليوم أحد بسبب. هذا الاصلاح ، إن لم يصل إليه الأزهر في يوم من الأيام ، في غير تطرف ولا تعسف ، تلمس المسلمون