الاعتقاد بما يراه أهل التقليد ، وكان له مع هذا كله قدرة عظيمة على التعبير عن أفكاره ، في لفظ رائق وأسلوب قوي وبيان فصيح ، وهذا هو السر في أنه ظهر بين شيوخ الأزهر مبرزا قويا ، مجلجلا مدويا ، وإن لم يكن أكثر علما من الشيخ أبي الفضل ولا من الشيخ الشربيني.
إن العلم كسائر ما وهبه الله للناس ، منه مبارك فيه ، يجل به النفع ، ويسري من صاحبه إلى غيره سهلا مفيدا ، ومنه ما ليس كذلك ، وليست العبرة على كل حال بالقلة أو الكثرة ، وقد كان المغفور له الشيخ المراغى كالمغفور له الأستاذ الإمام الشيخ عبده من أصحاب العلم النافع المبارك فيه .. ثم قال.
لقد كنت أنا والشيخ المراغى صديقين حميمين ، كلانا يحب صاحبه ، ويقدر فيه مواهبه ، ولم تكن هذه الصداقة عارضة بل كانت أصيلة ، مرت بها عهود ، وأعمال مختلفة اشتركنا فيها ولكننا مع ذلك اختلفنا بعد لأي من مشيخته الثانية للأزهر ، وكان خلافنا معروفا للخاصة والعامة من الأزهريين وغيرهم ، وسببه الجوهري ميله رحمه الله إلى ناحية السياسة الحزبية وشدة نفوري من ذلك ، فإني أرى أن الخير كل الخير في أن يتجنب العلماء السياسة الحزبية ، وينأوا عن مكايد الحزبية ومتاعبها التي تقضي إلى ما لا يحمد من العواقب ، ولكن هذا الخلاف لم يخرج بي ولا به عن الجادة ، وما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم من المودة والنصيحة ، فكنت أبدي له ودي ونصحي ، وأنقد مع ذلك بعض تصرفاته التي أرى أن مبعثها غالبا هو ذاك ، وكان يتقبل ودي ، ويبادلني إياه ، ويعتذر عن عدم مشاطرتي الرأي فيما أنقده فيه ، أو يبدي من المبررات ما يراه لفعله. وعلى كل حال لم يكن هذا الخلاف بالذي يقطع ما بيننا من محبة وتعاون ، بل كان خلاف الشرفاء والحمد لله.
لقد كان رحمه الله في عهد مشيخته الأولى مؤيدا تمام التأييد ، وكنت معجبا بآرائه وأفكاره الإصلاحية وطريقته في الإدارة ، وتركيز قواه وما آتاه الله من مواهب في الأزهر وإصلاح شأنه ، ولقد كنت أعاونه معاونة